روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فَلَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَجْوَدُ بالخير من الريح المرسلة). فدل هذا الحديث على أن الجود في شهر رمضان، خلق نبوي كريم، حري بالمسلم أن يتصف به، وأن يكون له نصيب منه، ومن الجود: الإنفاق في سبيل الله تعالى، وهو أمر حث الله عليه، وأمر بالمبادرة إليه، وحذر من تأخيره وتأجيله، يقول تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ} ويقول أيضاً: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
إن للإيمان دوراً فعالاً في مجال الإنفاق، وله علاقة وطيدة في وجوده من عدمه، ولذلك أهل الإيمان هم أكثر الناس إنفاقاً، كما وصفهم الله بقوله: {يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً} ولذلك عندما تجد - أخي القارئ الكريم - في نفسك عزوفاً وصدوداً عن الإنفاق، بادر وسارع إلى ما يزيد في إيمانك! فالمؤمنون الكمل، لا يتأخرون عن الإنفاق، بل هم كما وصفهم الله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} صار الإنفاق لهم عادة، مهما صارت أحوالهم فهم ينفقون.
وقد ذكر الله - عز وجل - لنا في كتابه، صنفاً من الناس، لنحذر سلوك سبيلهم، ونجتنب عاداتهم السيئة، والتي منها عدم الإنفاق، فقال عز وجل عن المنافقين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} المنافقون والمنافقات، رجال ونساء - قسم للسيدات - بعضهم من بعض، ما هي صفاتهم؟ قال تعالى: {يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} يقبضون أيديهم عن الإنفاق، لا يستطيع أحدهم أن يرد إلى جيبه فيخرج محفظته ليخرج منها مبلغاً من المال ليتصدق به، لأنهم يخافون الفقر! ليس عندهم إيمان يدفعهم للإنفاق! ليس عندهم تصديق جازم بأن ما أنفقوا سوف يخلف عليهم، يقول تبارك وتعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
فهي دعوة صادقة، لنعود أنفسنا على الإنفاق، فهذا شهر الإنفاق، ولنعود أنفسنا على الجود، فها هو شهر الجود، ولنكن على يقين بأننا إذا أنفقنا فإنما ننفق لأنفسنا، يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}.
( * ) حائل ، ص ب 3998 |