يندر أن تجد مركزاً أو محافظة في أي منطقة من مناطق المملكة إلا ويوجد في مساجدها حلقة أو أكثر لتحفيظ كتاب الله العزيز لأبناء المسلمين تتبع الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم.
ولقد حققت هذه الجمعيات في الآونة الأخيرة تقدماً هائلاً في مجال العناية بحفظ كتاب الله الكريم وأهله، واتسعت مناشطها وانجازاتها - بفضل من الله تعالى - ثم بما وجدته، وتجده من دعم ومساندة من ولاة الأمر في المملكة، وكذلك أهل الخير والمحسنين من أبناء هذا البلد المعطاء، حتى اصبحت في مستوى مشرف تفخر به بلادنا ولله الحمد.
وتشير آخر الاحصاءات بالمملكة إلى أن أكثر من 450 ألف طالب وطالبة ملتحقون بالجمعيات وموزعون على أكثر من 19 ألف حلقة وفصل لتحفيظ القرآن الكريم، وما فتئت الجمعيات تتوسع في فتح المزيد من هذه الحِلَق والفصول التي يتزايد الطلب والاقبال عليها يوماً بعد آخر.
وهذه الاعداد الكبيرة وجدت في حِلَق القرآن الكريم الحل الأمثل لاستثمار وقتها بأفضل أسلوب وأعظم مطلوب بعيداً عن مشارب الضلال والزيغ والفساد، او قنوات الغلو وجماعات التكفير التي تستغل فراغ الشباب لنفث سمومها فيهم، فأضحت هذه الحلقات المباركة ملاذاً آمناً لأبنائنا، والاحصاءات تؤكد أن منسوبيها من أفضل الناشئة عقلاً وتربية وتعلماً.
وبين الفينة والأخرى تطالعنا وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية باحتفالات تلك الجمعيات بتخريج وتكريم حفظة كتاب الله العظيم، وهذا بلا شك دليل واضح وجلي على مدى اهتمام المسؤولين في الدولة على البذل السخي مادياً ومعنوياً في خدمة كتاب الله الكريم، وتعليمه رغبة في الحصول على الخيرية الموعودة التي أخبر عنها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
لقد استطاعت هذه الجمعيات تحقيق الهدف السامي الذي من أجله أنشئت، فها هي وفود الحفظة من خريجي هذه الجمعيات تملأ ساحات المساجد والجوامع المنتشرة في أنحاء بلادنا الحبيبة خاصة خلال شهر رمضان المبارك.
وعلى الرغم من كل هذا الاهتمام بالجمعيات إلا أن حاجتها تظل مستمرة إلى دعم أهل الخير والاحسان حتى تواصل رسالتها من خلال ايجاد مصدر ثابت لتمويل هذه الاحتياجات. ولقد كان في الكثير من أبناء هذا البلد المعطاء - بحمد الله تعالى وشكره - المثل والقدوة الطيبة في هذا الأمر، خاصة أولئك الذين خصصوا بعضاً من المشروعات الوقفية الاستثمارية للصرف منها على مناشط الجمعيات، بل وتطور الأمر إلى أن أحدهم وهب أرضه أو فيلته لاستعمالها في خدمة كتاب الله الكريم وأهله طمعاً في المثوبة من الله - عز وجل - التي تتحقق في قوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}.
لقد أصبح اليوم واضحاً لكل ذي عينين أن الأمة الإسلامية لن يتسنى لها استعادة عزتها ومكانتها وأمنها واستقرارها إلا حين يصبح هذا القرآن الكريم منهجاً لها في حياتها كلها، وعندئذ يتحقق فيها وصف الله لكتابه العزيز بقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}.
ومن هنا فإن علينا جميعاً واجباً لتحقيق هذا الأمر الجلي تجاه أنفسنا، وآخر تجاه أبنائنا - خاصة في هذا الشهر الفضيل - فأما ما هو تجاه أنفسنا فمن خلال المشاركة والاعانة المادية والمعنوية على تعليم القرآن الكريم، فالذين يبذلون الأموال، وينفقونها في تعليم القرآن هم في الواقع مدركون ما يدركه المعلمون له، لأن من أعان على طاعة الله فهو في طاعة الله. أما الواجب تجاه الأبناء فيتمثل في اعانتهم على تعلم القرآن الكريم والعمل به والتخلق بآدابه ومثله بحثِّ الأبناء على الالتحاق بهذه الحلقات وترغيبهم في الاقبال على حفظ كتاب الله حتى يعود عليهم، وعلى المجتمع الإسلامي كله بالنفع دينياً ودنيوياً.
|