Friday 29th October,200411719العددالجمعة 15 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

انتخابات المجالس البلدية في المملكة انتخابات المجالس البلدية في المملكة
عبدالعزيز عثمان بن صقر (*)

كما تم إعلانه مسبقاً من قبل سمو وزير الشئون البلدية والقروية في المملكة العربية السعودية فقد صدرت اللائحة المنظمة لانتخابات المجالس البلدية في السعودية تمهيداً للانتخابات في خريف هذا العام تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء المتخذ بتاريخ 18-3- 1424هـ بتوسيع مشاركة المواطنين في إدارة الشئون المحلية عن طريق الانتخاب وذلك بتفعيل المجالس البلدية وفقاً لنظام البلديات والقرى الصادر بالمرسوم رقم م/5 في 21-2- 1397هـ.
وقد جاءت اللائحة في ستة فصول تضم اثنتين وثلاثين مادة.. وقد تم تحديد مراكز الانتخاب ومواعيد تسجيل الناخبين، وقيد المرشحين ومهلة الترشيح وإجراء انتخاب نصف الأعضاء في 178 مجلساً بلدياً وفق جداول محددة تشمل كل المدن والقرى في المناطق الثلاث عشرة في المملكة، وستجري على ثلاث مراحل تبدأ في 10 فبراير 2005.. بينما يتم تعيين نصف المجالس الآخر، بالإضافة إلى أمور تنظيمية أخرى.
ووفقاً لذلك سوف تتشكل المجالس النصف منتخبة من 14 عضواً في كل مجلس من مجالس المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام ومكة المكرمة والمدينة المنورة.. بينما تتشكل مجالس من 12 عضواً في كل من الطائف والأحساء وبريدة وأبها وحائل وتبوك وجيزان والباحة ونجران والجوف.. أما في خميس مشيط وعنيزة والخرج وحفر الباطن وينبع فسيضم كل مجلس 10 أعضاء.. وفي بقية المحافظات والمراكز فيتشكل كل مجلس من 6 أعضاء، أما مراكز الريف فسيضم كل مجلس 4 أعضاء.. ويأتي ذلك في إطار تنفيذي لما ورد في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بمناسبة افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الثالثة لمجلس الشورى في 16-3-1424هـ، بتوسيع نطاق المشاركة الشعبية والتأكيد على استمرار الدولة في طريق الإصلاح السياسي والإداري تنظيم انتخابات جزئية من المأمول أن تتواصل خلال الأعوام الثلاثة المقبلة لتشمل إجراء انتخابات لمجالس المناطق لاختيار نصف أعضائها بعد حوالي عامين على أن تليها الخطوة المهمة الثالثة لانتخاب ثلث أعضاء مجلس الشورى بعد ثلاث سنوات.
إجمالاً وفي إطار التطور السياسي في السعودية، تبدو اللائحة في كثير من الأوجه شبيهة بمثيلاتها في الدول الديمقراطية، يعتريها النقص الذي عادة يتم تجاوزه مع الزمن عبر قواعد أطراف اللعبة السياسية المختلفة سواء أكانت أحزاباً أو جماعات ضغط مختلفة.
وصدور اللائحة يمثل خطوة أولى تعبر عن تأكيد رغبة القيادة في إدخال الإصلاحات والبدء فيها، في ظل التغيرات الدولية والإقليمية المتسارعة نحو الانفتاح الديمقراطي وفي ظل ما تشهده دول مجلس التعاون من خطوات واسعة ومتسارعة على هذا الطريق، وعند تفحص اللائحة أمكن تسجيل عدد من الملاحظات التي يمكن تناولها، وبداية يجب التوقف عند صدورها كلائحة عن وزارة الشئون البلدية والقروية بدلاً عن نظام عام لتنظيم الانتخابات في المملكة، يصدر عن السلطة التشريعية في الدولة وفق الآلية المتبعة لإقرار الأنظمة ومنها مروره بمجلس الشورى ومجلس الوزراء، ليحظى بالمزيد من المشاركة في بلورته وإعداده ومراجعته، وليأتي بصفته نظاماً أقرب إلى الكمال، شاملاً وموحداً لتنظيم كافة الأمور المتعلقة بتوسيع مشاركة المواطنين في إدارة الشئون المحلية عن طريق الانتخاب.. ولتصدر بعد ذلك اللوائح التنفيذية لمواد النظام من قبل الجهات ذات العلاقة التي يحددها النظام ويحدد مهامها وواجباتها التنفيذية تجاه العمليات الانتخابية، ولعل في خلو اللائحة من أي مواد خاصة بمعالجة الظروف الطارئة التي قد تحتم تأجيل أو تقديم موعد الانتخابات يبرز أهمية ما ذهبنا إليه آنفاً، كما أن عدم تحديد موعد إجراء الانتخابات في نص اللائحة يحول دون توطين حق الانتخاب على فترات زمنية محددة وملزمة.
وفي سياق ما سجل من ملاحظات على اللائحة نجد أنها حددت في المادة الثالثة، السنّ القانونية للتمتع بحق الانتخاب(21 سنة) كما نص نظام البلديات والقرى في مادته الحادية عشرة على أن يكون عضو المجلس البلدي متمماً الخامسة والعشرين من عمره، وقد أخذت دول عديدة في المنطقة برفع سقف السنّ القانونية للانتخاب والترشيح وتراوحت من 21 سنة إلى 30 سنة، ولكنها جميعاً بدأت في التقارب والتوافق على سنّ 18 سنة وهو الأمر الأكثر شيوعاً على نطاق عالمي، مع وجود دول تخفض هذا السقف إلى 16 سنة.. ثم استرسلت المادة نفسها وحرمت العسكريين العاملين حق الانتخاب، وهذا أمر خلافي واجتهادي والسائد هو منع العسكريين من حق الترشح وممارسة أي عمل سياسي أثناء تأدية الخدمة العسكرية لمنع تسييس الجيوش والقوات العسكرية الأخرى.
من جانب آخر.. فإنه مع أن اللائحة التنظيمية التي أصدرتها وزارة الشؤون البلدية والقروية بشأن الانتخابات الجزئية للمجالس البلدية في المملكة لم تنص صراحة على إبعاد المرأة عن ممارسة حقها في الترشيح أو التصويت في الانتخابات المتوقع أجراؤها في فبراير المقبل، إذ أن كلمة (مواطن) في المادة الثالثة تعني الرجل والمرأة، فإن من الأرجح لأسباب اجتماعية وثقافية، أن لا تشارك المرأة لا في الترشح ولا في الانتخاب على الأقل في هذه الدورة، وهذا إضافة إلى ارتفاع سنّ من يحق له الانتخاب سيؤثر بلا شك على حجم الناخبين، حيث من المتوقع أن لا تزيد نسبة من لهم حق الانتخاب حسب فئات العمر والجنس عن 5% من عدد السكان السعوديين وفقاً لآخر البحوث السكانية للعام 1421هـ المعلنة من قبل ومصلحة الإحصاءات العامة، وباستبعاد العسكريين العاملين وموظفي البلديات بالإضافة إلى بعض الفئات الأخرى التي تحول دون ممارسة حقها في الانتخاب ظروفها الخاصة، فإن تلك النسبة التقديرية ستنخفض، ولأمكن التنبؤ بأن حجم الناخبين سيأتي في حدود (3) ثلاثة ملايين ناخب بما في ذلك التغيير الذي حدث في الفترة التالية لإجراء البحث السكاني المشار إليه، وهنا تبرز أهمية مشاركة العسكريين والنساء في الانتخاب على الأقل، وإعادة النظر لخفض السنّ المحددة لمن لهم حق التمتع بالانتخاب إلى (18) سنة، فتعداد تلك الشرائح عالية لدرجة أنها إذا وظفت لصالح العملية الانتخابية ستجعل من العملية الانتخابية فعالية يُعنى لها ويُعتنى بها من الجميع وتتناسب ووضع المملكة دولياً وإقليمياً.
أما بالنسبة للترشح لعضوية المجالس البلدية فمع أن هناك جدلاً واسعاً حول ترشيح المرأة، وما ذكرته بعض الصحف المحلية من أن اللجنة العامة للانتخابات البلدية المقرر انطلاقها في 10 شوال المقبل قد حسمت قضية أحقية النساء والعسكريين وموظفي البلديات في ترشيح أنفسهم بالرفض المطلق، إلا أن سمو الأمير منصور بن متعب رئيس اللجنة العامة للانتخابات لم يستبعد مشاركة المرأة ولو حتى من باب التعيين، وأرجع أن هذا الأمر ستبت فيه وزارة الشئون البلدية والقروية، كما يرجع البعض أسباب استبعاد المرأة من عمليتي الترشيح والانتخاب إلى عدم وجود عدد كاف من النساء المؤهلات لخوض الانتخابات أو لإجراء عمليات التسجيل والمراقبة والفرز، كما أن هناك نسبة ضئيلة من النساء اللائي يحملنّ هوية مصورة يمكن استخدامها عند عملية التصويت وهذا ما يمنع مشاركة المرأة على الأقل في الوقت الحاضر.
ورغم ذلك فقد تقدمت، حتى الآن، ثلاث سعوديات كمرشحات.. ورغم عدم قبول تسجيلهنّ حتى الآن، فقد تقدمنّ ببرامج انتخابية ركزت على الخدمات العامة، كتحسين البنية الأساسية وحماية موارد المياه وتنمية الموارد البشرية وحماية البيئة.. وبالعودة إلى لائحة الانتخابات المعلنة، نجد أن المادة الرابعة قد نصت على نشوء الدوائر الانتخابية في أول انتخابات للمجالس البلدية بعد انتهاء تسجيل الناخبين، ويكون إنشاؤها في الانتخابات اللاحقة قبل ستين يوماً على الأقل من موعد الاقتراع، ويصدر بإنشائها قرار وزاري يحدد نطاق كل دائرة وعدد الأعضاء المراد انتخابهم فيها.. والمأمول تلافي ذلك فتجارب الشعوب الأخرى تفيد بأنها قد خلصت إلى أهمية تحديد الدوائر، وفقاً للكثافة السكانية وفق إحصاء سكاني حديث ولو نسبياً، ومن ثم يترك للناخب تحديد موطنة الانتخابي وفقاً للدائرة المحددة، ومن ثم يتم تثبيت هذه الدوائر. كما إن تحديد الدوائر الانتخابية أمر منوط بلجنة محايدة تتشكل عادة من رجال القضاء والقانون، وهذا قد لا ينطبق تماماً على اللجنة العامة المشرفة على الانتخابات التي من المفترض أن يناط بها أيضا القيام على تدريب وتعيين اللجان الانتخابية الفرعية التي تشرف على كل دائرة ومنطقة انتخابية، وكذلك تعيين لجان تسجيل قيد الناخبين ولجان الفرز والرقابة.
كما أن المادة التاسعة تركت توقيت تحديث القوائم الانتخابية دون تحديد زمني، وهذا أمر فيه بعض المحاذير، لهذا يفترض أن تقوم لجنة قيد الناخبين بتحديث القوائم كل سنتين لإضافة أسماء من يبلغون السنّ القانونية للانتخاب وحذف أسماء المتوفين ومن فقدوا أياً من شروط الانتخاب.. بل وكان يفترض أيضا، وخصوصاً في ظل التعداد السكاني الأخير، إصدار بطاقات انتخاب بناءً على قيد الناخبين وتحديد الموطن الانتخابي لكل ناخب بعد النظر في الدوائر الانتخابية. وفي كل الأحوال فإن جميع هذه اللجان الفرعية التي تقوم على الإشراف والرقابة والفرز في الدوائر المحلية، هي لجان مؤقتة يتم حلها بانتهاء العملية الانتخابية، في حين تتم إعادة تشكيل لجنة الانتخابات العامة (على النطاق الوطني) من فترة لأخرى وفق نفس الأسس التي تعتمد الحياد، والانتخاب من قبل أعضائها لأحدهم لرئاسة هذه اللجنة، وهذا ما نتمنى تداركه لتأتي هذه الانتخابات بمستوى الطموحات، وليمكن الاستغناء عن الكثير من الإجراءات التي نصت عليها بعض مواد اللائحة، رغم أهميتها النظرية.
وتتيح المادة الثانية والعشرين (الفقرة واحد) الحق لممثلي المرشحين بحضور عملية الفرز وهذا جانب إيجابي يعزز من عملية الرقابة على إحدى مراحل الانتخاب، وتنص نفس المادة الفقرة الثالثة على إجراء قرعة بين المرشحين عند تساوي الأصوات، في حين يفترض إجراء جولة انتخابية ثانية.
وفي مجال تعارض السلطات والاختصاصات، تمثل المواد من 24 إلى 28 من اللائحة مثالاً لهذا التضارب والتداخل، حيث تعطي هذه المواد وزارة الشئون البلدية والقروية حق تشكيل لجان الطعون الانتخابية والبت فيها، وهذا أمر من اختصاص القضاء وليس لأي جهة تندرج ضمن السلطة التنفيذية حق التدخل فيه.. وحتى عند اقتضاء إيقاف الانتخابات لا نجد أي دور لمجلس الشورى أو القضاء إذ يقتصر تقرير ذلك على وزارتي الداخلية والشئون البلدية والقروية.
أما الدعاية الانتخابية فقد بينت المادة التاسعة والعشرون بأن وزارة الشئون البلدية والقروية تنظم بقرار وزاري التعليمات المتعلقة بذلك، بينما لا توجد قوانين أخرى تسمح بوجود شكل من التباين السياسي والتكتل التنظيمي ينتمي إليها المرشحون تنظيمياً، وبالتالي ستنحصر الدعاية في الوعود بتقديم الخدمات للمواطنين من المرشحين بصفتهم الشخصية، ولكن حتى هذه لا يمكن تصورها بدون وجود وسائل ضغط لدى عضو المجلس البلدي، إذ دون ارتباط المرشح بجماعة منظمة وقانونية أكبر تقوم على تجميع المصالح وممارسة اللعبة السياسية بوسائل قانونية وتمتلك أدوات الضغط والمساومة السياسيتين يصبح الحديث عن أي وعود للناخب عديم المعنى.
لقد حفلت هذه اللائحة بالعديد من الملاحظات وغموض العبارات، ولكن كما أن كل نظام لا بد له من مذكرة تفسيرية يتوقع البعض أن تصدر وزارة الشؤون البلدية والقروية مذكرة تفسيرية لتوضح وتشرح اللائحة وبذلك تزيل الغموض.
إن صدور هذه اللائحة يمثل البداية لعملية إصلاح مستمرة، بدايتها تتسم بالجدية والمصداقية.. وكما أن التزام الحكومة بموعد إجراء الانتخابات، واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك يعد علامة فارقة في العمل السياسي السعودي ومبشراً بمزيد من جهود الإصلاح، فإنه الطريق الوحيد للتنمية وللقضاء على مصادر التطرف.

(*) رئيس مركز الخليج للأبحاث
sager@grc.ae


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved