صبراً
عبد الباسط شاطرابي

كعادة الروائيين المبدعين، التقط الشمري عبد الحفيظ حدثاً عابراً هو شرود (الشاطرابي) فأحاله مادة للقراءة الماتعة.
والأذهان - حماكم الله من الذهان - بين شرود وورود، بل إن شؤون الحياة كلها على هذا المنحى تسير، أفلم تسمعوا قول البعض بأن فلاناً لا تفوت عليه شاردة أو واردة؟!
وصويحبكم حين اقتنصه الشمري كان فيما يبدو شارداً بكل الحواس، فالحدث بكامله لم أجد له مكاناً في الذاكرة، ولولا معرفتي بنفسي التي تجد في فضاءات الشرود - حيناً - عوالم من السعادة المستعصية واقعاً.. لقلت إن الصديق العزيز قد ابتلي بابتلاءات صويحبكم، ولقلت إن موهبة الحكي قد فعلت فعلها في الرجل فصنع - بإبداع - من الحبة قبة، ليصبح الشاطرابي أحد أبطاله الذين يصنعهم بدقة وإتقان في أعماله الروائية.
والشرود جميل لمن يعرف كيف يختاره زماناً ومكاناً، ولعله يصبح ضرورة حين يتعلق بسماع الأخبار أو مشاهدتها، فما تلتقطه النفس من فواجع يجعلنا نخشى على ما تبقى في أجهزتنا العصبية من حس، وحينها يصبح الشرود ملاذاً آمناً.. فالآخرون قد أخذوا الدنيا غلابا، وصرنا بفضاء مكشوف لا يقينا من غلوائهم وقتما شاءوا، فما أحرانا أن نُعمل بعض العقل فنكون كالنعامة.. فشيء خير من لا شيء، وما لا يدرك كله لا يُترك جله!
صبراً أيها الشمري الجميل، فسأقتنصك شارداً، وساعتها ستكون مادتي الدسمة على طبق مقروء في هذه الساحة.