هناك عملية سرقة مستمرة لملامحنا، لبصمتنا، هناك تقطيع مستمر لروابطنا مع من الموجودات من حولنا، بهدف تحويلنا الى طابور طويل من المعلبات المتشابهة والمعتقلة في آلة مصنع، تخرجها نسخاً متطابقة مصطفة ومتأهبة للتداول والاستهلاك.
فالسيدة التي تمنح منزلها بسهولة للخدم، إنما تغيب نكهتها وروحها وروابط الألفة والمودة التي تصنعها الأنثى عادة في الأمكنة، يتشتت المكان ويتبعثر بين تذمر الخدم وأشواقهم المتصلة لأوطانهم، لذا تصبح المنازل منفرة باهتة، ولهذا السبب أيضا يغادر الجميع منازلهم الى الأماكن العامة، أو يسافرون لشهور طويلة هروبا من غرف خالية من الألفة ومساكن خالية من السكن.
وفي ولائمنا الصغيرة منها والكبيرة نطبطب على (كراتين) أدمغتنا ونستبدلها بأفكار الآخرين فيما يتعلق بالضيافة والاستقبال والطهو، فيأتي كل شيء ماسخا فاقداً لتلك القطرة الماسية النادرة التي تصدر عن القلب فتمنح الأشياء بريقها.
آخر ما تفتقت عنه بروتوكولات الكسل والبلادة لدينا، قيام بعض السيدات ببعث خادماتهن الى امرأة لديها فصول خاصة لتدريب الخادمات وتعليمهن الفنون المنزلية، مقابل مبلغ من المال!! وفي ظل السوق الاستهلاكي الكبير الذي تحاصرنا ثقافته يصبح كل شيء قابلا للاستهلاك والتسويق حتى خادماتنا الآسيويات، اللواتي لن يجدن سوى منازل أغلقت على كم وافر من الاغتراب.
لن أتطرق هنا للحديث عن الأطفال، فالشق يتسع على الراقع، ولا أعلم تحديداً كمية الوقت (الوقت المثمر) الذي نقضيه مع أطفالنا نستمع الى أخيلتهم، وأحلامهم ومخاوفهم، ونعيد رسم العالم الخارجي سويا في أذهانهم كعالم مفعهم بالقيم بالحب وبالمودة. وليس طفولة محاصرة بشخصيات الكارتون وشطائر الهمبرغر، وخادمات آسيويات يعانين الملل والتعب وحنين الأوطان.
نهب أنفسنا باستسلام قطيعي للصوص، وللسائل الأسيدي الذي يذيب بصماتنا، فتبقى منازلنا مشغولة بأجسادنا لكنها خالية من نكهتنا وأرواحنا، وتظل ذاكرة أطفالنا خالية من الذكريات الثمينة لمئات التجارب الخضراء المشتركة بين الأم وأطفالها والتي وحدها ستصحبهم الى.. الغد.
|