يحتل هذه الزاوية.. كل أسبوع أحد الأقلام الواعدة رغبة في إعطاء الفرصة لكل ما يمكن أن يكون شيئاً على درب المستقبل.
لصاحبي الحق كل الحق في أن يطلق عبارته، التي يرددها كلما اجتمع بي عن أدباء بلادي الآن!!
أجل يا صاحبي العزيز كما قلت: الأدباء في بلادي مفلسون.. وفوق الإفلاس فهناك بخل.. بخل في الإنتاج.. والافلاس والبخل داءان متضادان كلاهما يوديان سوياً إلى طريق الهلاك..
قال صاحبي وهو شاب من هواة الادب والمناقشة، وقد جاء لبلادنا.. لا ادري لم يحاول أدباؤكم اللجوء إلى الصمت وعدم إبراز أعمالهم إلى حيز الوجود كأدب له قيمته ونهجه وهواته..
قلت: يبدو لي انك تجهل الكثير عن ادباء المملكة وعن المستوى المشرف الذي وصلوا اليه.. ان لنا يا صاح كما لكم ادباء لهم من المؤلفات والافكار والبحوث الشيء الكثير.. والكثير جداً.. فقاطعني بمنتهى السرعة وكأنما استذكر شيئاً كانت ذاكرته قد اهملته وقال: ما دام الأمر كذلك، فلماذا لا أجد في مكتبات القاهرة.. وبغداد.. وبيروت وغيرها كتباً لأدبائكم الأفاضل وأنت كما تدعي أن لهم من المؤلفات ما يفوق مؤلفات الادباء الآخرين..
فصمت.. بل وأيقنت أن محدثي ذاك.. وجد نقطة الضعف القاتلة.. وسيبقى ضاغطاً عليها.. ومع ذلك حاولت أن أنفي الانهزام واقابله بوجه المنتصر وقلت: ان كتب أدبائنا قد تنفد من المكتبات وفوق ذلك فأعتقد سلفاً أنك لم تعن نفسك مشقة البحث والتنقيب الدقيق عنها.. وإلا فكيف لا توجد كتب .. للسباعي.. والزيدان وبحوث للجاسر والانصاري وشعر للفقي والسرحان والقرشي.. وقد بلغت الجودة بإنتاج هؤلاء وغيرهم مبلغاً مدهشاً..!
لكن صاحبي عاد إلى القول: إن في شبابكم أدباء جادين في السير إلى الامام ولكن مع ذلك اراهم يسلكون طريق (اللا معقول) والنقط والأقواس.. وهذا بالطبع سيشكك شبابكم بأدب الأدباء .. والأجداد.
إن شبان بلادكم ملزمون بالمحافظة على تراثنا العربي الخالد فمن هذه البقاع خرج لأبناء الضاد.. أبلغ وأنبل أحرف العربية على الاطلاق.. ومن فيافيها.. وسهولها.. وآكامها.. تغنى قيس بليلى.. وكثير بعزة.. وعنتر بعبلة.. والأعشى بهريرة.. وبعد أن أطرق برهة رفع رأسه وقال:
يا ترى.. إلى كم قسم ينقسم شعراء بلادكم حالياً.. فضحكت لذلك.. وقلت أتريدني ان أضعهم في طبقات كالشعراء القدامى أم ماذا؟!
إن في بلادي شعراء مجيدين.. وشعراء ذوي مستوى حسن وفيهم الضعيف.. أيضاً.. بل إنهم كما قال الشاعر قديماً.!!
شاعر يجري ولا يجرى معه
وشاعر يخوض وسط المعمعة
وشاعر لا تشتهي أن تسمعه
وشاعر لا تستحي أن تصفعه
قلت هذا.. وكم كان بودي أن لا اكتم صاحبي سراً في أن أقول له عن كثرة أولئك الشعراء من أصحاب الجزء الأخير في بلادنا.
اقصد ممن لا تستحي أن تصفعهم ولكنني التزمت الصمت..! ولم يكتف بذلك سامحه الله.. بل تطرق للقصة فسألني عن كتاب القصة لدينا، وكيف انه لم يقرأ حتى الآن عن أية قصة سعودية.. رغم أنه أرهق نفسه بحثاً وتنقيباً - هكذا قال - وهنا ارتبكت قليلاً.. ودخلت مكتبتي فإذا بي صدفة أجد قصة قصيرة (للأستاذ إبراهيم الناصر) أنقذتني من هول الموقف فحملتها اليه وقلت .. أنا اعذرك حينما توجه هذه التهم والانتقادات.. فإقامتك في بلادنا قصيرة ولهذا فمن الصعب أن تعرف الكثير عنه.. ولا أدري حتى الآن.. لم صمت صاحبي عند ذاك الحد.. أعني لماذا لم يحاول أن يسألني عن مدى تطور القصة السعودية؟! وعن كتاب القصة لدينا؟!
فتلك رحمة الله.. لأنني سألوذ بالصمت لو حاول أن يطرح تلك الأسئلة.. وسأعترف بعدها بالهزيمة.. فكتاب القصة لدينا قلة ان لم يكونوا معدومين..
وانتاجهم الشحيح.. والشحيح جداً ما هو الا مجرد محاولات هزيلة لتطوير القصة لدينا.. القصة الناجحة هي التي تعالج مشاكل المجتمع.. والقصصي البارع هو الذي يستطيع عكس بيئته في الريف والمدينة والصحراء.. أما أن يأتي لنا بقصص (الجدات) و(كان يا ما كان) ويرونقها ببعض الكلمات الرنانة والاقواس.. ويطلق عليها قصة فذلك مما لا نقبله البتة.. ولا يصلح أصلاً لأن يكون محتويات قصة ذات أهداف ومغازي!!
أحمد الله ثانية.. عندما صمت صاحبي وخرج من منزلي ولم يعد لأنه لو حاول التعمق في المناقشة لكشفني حقيقة وكشف من ورائي حكاية الادب لدينا.. ولكم كنت اتمنى ان يوجه صاحبي حديثه هذا إلى ادبائنا .. وشعرائنا.. وكتاب القصة لدينا فما تراهم سيقولون له..؟!
ثقوا انها مناقشة واقعية كنت فيها المنتصر.. لانني حاولت ان اخفي الحقيقة وهيهات لي أن أنجح ثانية..!!
|