* مدخل
يُعنى هذا المقال بتسليط الضوء نحو فكرة محددة تُمارسها بعض الأقلام على المستويين الداخلي والخارجي، ونحاول هنا أن نتعامل معها بشكل جيد لأن الكثير من الكتّاب في العصر الحديث وبعضهم من الكتّاب المرموقين لديهم إشكالية في هذا الجانب تزداد وبشكل سريع جداً.
لذا تركت المجال لقلمي الأبيض يتحدث إليكم راجياً أن أقدم بعضا من الأفكار والرؤى في سبيل تجاوزها أو التقليل منها بقدر المستطاع.
الله أسأل التوفيق والسداد بتحقيق الهدف المنشود من هذا المقال.
يحسنُ بنا - أيها الفضلاء - ابتداءً في مثل هذا المنبر الإعلامي أن نعزز لحديثنا شاهداً ممن تخصص في الكتابة عن الدراسات النفسية والفكرية والقراءة لواقع الأمة وممن أثروا الساحة الإعلامية بمجالاتها الثلاثة المرئية والمسموعة والمقروءة.
جاء في كتاب (رؤى ثقافية) تحت فصل (اضطراب منهجية التفكير) للأستاذ الدكتور عبدالكريم بكار - سدده الله - ما نصه:
إنّ أصحاب التفكير المستقيم وضعوا بعض القواعد الجميلة منها قولهم:
(لكل قاعدة شواذ) وقولهم: (الشذوذ يؤكد القاعدة) لكن كثيرين منّا يجدون في النماذج الاستثنائية نوعاً من الانفلات من واقع غير جيد، فإذا قلنا إن المدينة الفلانية يغلب عليها الجمل جاء من يقول:
هذا ليس بصحيح بدليل أن منها العالم الفلاني!
وإذا قلنا إن البلد الفلاني متخلف قيل: هذا تشاؤم فإن في ذلك البلد عمارةً ليس في العالم أجمل منها!
إن هؤلاء يريدون إقناعنا بأن البحار جزء من اليابسة لأنه يتخللها بعض الجزر، وأن المستشفيات أماكن للأفراح والمسرات لأنهم رأوا فيها من يبتسم ا.هـ - سدده الله -.
فالذي يمارسه بعض من يكتب في صفحاتنا تحديداً، وممن تكتب أقلامهم عن حلقات التحفيظ والمراكز الصيفية والتسجيلات المباركة خصوصاً يمارسون الشيء نفسه شعروا أم لم يشعروا!!
وخطورة هذا الأقلام في تضخيم الأخطاء وجعلها تكبر شيئاً فشيئاً بطريقة احترافية غير أن الكتابة في هذا الجانب تطول، لكن يكفينا أن نلامس الجرح ولو آلمنا وأن نسهم وبصورة ايجابية تجاه قضايانا للحيلولة دون إثارة مفتعلة أو ضجيج مزعج تريد بعضاً من الأقلام أن تقوم به في الوقت الذي يمر به مجتمعنا بأزمة حادة فنريد من يجمعنا ويؤلف بين قلوبنا بالطرح الهادف والنقد البناء.
لذا أود أن الفت النظر إلى جملة من المقترحات من خلال النقاط التالية:
أولاً: فرق شاسع بين التقديس للهيئات - الآنفة الذكر - والأشخاص على نحو مفرط، وبين احترامها وتقرير جهودها والعاملين فيها لحماية المجتمع من تلك اللوثات السلوكية والفكرية.
فالصوت المقابل حيث يأتي لا نرفضه! ومن قال إننا نرفضه؟!
فهل يعقل أن أحداً يرفض صوتاً يبني ولا يهدم.. يجمع ولا يشتت.. يخصص ولا يعمم.. يصف المشكلة لنا ويشخص المرض ثم يأتي بالدواء الناجع المفيد؟
فهذا الصوت المقابل المتزن لا يرفضه العقلاء الأسوياء لكن الصوت الذي نرفضه ويرفضه المجتمع وبقوة من يطعن ويلمز في رابعة النهار مؤسسات الدولة التعليمية المباركة، ثم هو يفتش ما بين السطور وما وراء السطور عله يظفر بما يعود على المجتمع - شعر أم لم يشعر - بجو تتكهرب معه العلاقات الحميمة بين أفراده ومؤسساته.
ثانياً: من قال إن الحلقات والمراكز والتسجيلات وغيرها في معزل عن التقويم والتعديل؟!
وإنها - هي الأخرى - محرم مساسها بنقد بنائي لا هدمي؟
فهي مثل مؤسسات الدولة الأخرى لها جهة إشرافية ولجان متابعة، فلم نقرأ لبعض الأقلام من تكيل - للأسف - بمكيالين تجاه أخطاء تقع منها في الوقت الذي يسكت عن غيرها!
ثالثاً: ترى أين هذه الأقلام من تطلعات وآمال الأمة الكبيرة نحو السيادة والمجد؟
اين هذه الأقلام من الجرح النازف - ولا زال - في ثالث الحرمين وفي أصقاع البلاد المعمورة وها هو الساعة يدق ناقوس الخطر على السودان؟
اين هذه الأقلام من حصون الأمة التي تدك دكا صباح مساء من أعداء الملة والدين؟
اين هذه الأقلام من بث روح الأمل وتقوية الضمائر للعمل بدلاً من التثبيط واشاعة التشاؤم؟
اين هذه الأقلام من تقديم الحلول الناجعة في فتح ابواب العمل الجاد للشباب الطموح؟
اين هي من اخواتنا المؤمنات الغافلات المحصنات تجاه تيارات تغرير المرأة وقادة السفور والانحلال؟
اين هي من الحديث عن مجد الأمة الغابر، والبحث عن أسباب النصر بدلاً من ذكر الوقائع والنصوص التي تنشر الحزازات وتخلق جواً من الكراهية والبغض لدى الطرف الآخر؟
اخيراً نختم بقلم للاستاذ الدكتور عبدالكريم بكار حيث ذكر في أحد كتبه الماتعة
(علينا ألا ننسى أن البشر مخلوقات عاطفية تجذبهم الكلمة الطيبة وينفرهم التوبيخ والتقريع).
|