الانتخابات بمعناها المطلق علامة صريحة وواضحة على الديمقراطية، وحيثما وجدت توجد نسبة معينة من حرية الرأي، وحرية العمل. وبغض النظر عن مدى المصداقية التي تتمتع بها هذه الانتخابات في غالبية دول العالم، إلا أنها تبقى أساسا حضاريا وعصريا للتعبير، يمكن تطويرها إن قُيِّض لها من يدفع بها في الاتجاه الصحيح.
ولا يخفى على أحد أن دول العالم كافة تتطلع - ولو من باب الدعاية السياسية - إلى إيجاد الجو الديمقراطي في مناخها السياسي، ذلك المناح الذي تستطيع الدفاع عنه أمام الانتقادات الخارجية والداخلية، ولعل الانتخابات هي أكثر الأسلحة في هذا الوقت الدفاعي. ولم نسمع عن أمة استثنت نساءها من العمل على اثبات هوية أمتها السياسية. ومن هذا المنطلق أعتقد أن القرار بمشاركة المرأة السعودية في الانتخابات، والتلويح بإمكانية مشاركتها في التصويت، إنما يأتي في اطار هذا الفهم العام العالمي.
أما لماذا يؤجل دور المرأة السعودية، فهو ما لا نستطيع فهمه، ولا نقدر تصور الضرر الذي من الممكن أن يلحق بمناخنا السياسي.. خاصة والكثيرون يتربصون بنا، ويحسبون خطواتنا بالمليمترات!.
لا نزال نطير - رجالا ونساءً - وراء كل ندوة من العالم نعتقد أن تواجدنا فيها يسهم في رسم الصورة السياسية الصحيحة لوطننا، ويعطي انطباعا صادقا بصدق التوجه الإصلاحي لدينا، هذا التوجه الذي لطالما أكد سمو ولي العهد الأمين قوله فيه:( لا رجعة عن الإصلاح، ولا مجال للنكوص إلى الخلف). وهو ما يعني وعي القيادة الرشيدة لمتطلبات العصر، ودور الأمم برجالها ونسائها في وضع الخطوط الحقيقية للخارطة السياسية لدولها على الأفق العالمي الجديد.
ليس من السهل علينا أن ننافح عن سياستنا وحضارتنا وقيمنا في الميادين العالمية، بينما نجد أن علينا الانكفاء على أنفسنا من جديد كلما هبت رياح الاصلاح وأعلنت عن نفسها والا فما معنى تأجيل أو عدم البت في حق المرأة السعودية في التصويت والانتخاب الفوري، ولا حجة لمن يقول: إن المرأة السعودية غير مهيأة لممارسة دورها السياسي، فأعداد النساء في المملكة أكثر من اخوانهن الرجال، وذلك قائم على احصائيات رسمية، وعدد الاناث على مقاعد الدراسة أكثر من عدد الذكور، والتجربة واحدة وجديدة على الرجال والنساء معاً، فمالذي يجيز للرجل أن يتقدم في هذا المجال وليس له فضل على المرأة فيه، خاصة وأن المسئولية تقع على الاثنين وكذلك الجزاء.
يقول الله تعالى في محكم آياته:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ} (8) سورة المائدة، وهو ما يؤكد على أهلية المرأة للعمل المطلق المتناسب مع طبيعتها كأنثى، ولا أعتقد أن مثل هذا العمل يتنافى مع أنوثة المرأة المسلمة، وبخاصة فيما يتعلق بحرية اختيارها لممثليها في الحياة العامة، أعني التصويت والانتخاب، فآية البيعة منحت المرأة حق التصويت والانتخاب، كما هو مبين في قوله جل وعلى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (12) سورة الممتحنة، وآية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تثبت دورها الاجتماعي وتؤكد مسؤوليتها الكاملة، كما يتضح لنا في قوله سبحانه وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {71} وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة 71-72
إن أهمية مشاركة المرأة في التصويت والانتخابات البلدية القادمة هو أمر يجب أن نكون قد فرغنا منه منذ الخطوات الأولى للإصلاح، لا أن نبدأ الآن في البحث عن جدول زمني لإمكانية مشاركة هذه المرأة.
في الاثنينية الأخيرة للشيخ (عثمان الصالح) - عافاه الله - التي استضاف فيها سمو الأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبدالعزيز، وداخل فيها الصفوة من رجال الوطن سواء كان بالحضور أو بالمشاركة، وكنت ممن لهم مداخلة في موضوع التصويت والانتخاب، خرجت تلك الاثنينية بنتيجة متفق عليها وهي: حق المرأة المشروع في التصويت والانتخاب، وأنه ليس هنالك مانع يحول دون ذلك، ومع ذلك كله لن تشارك المرأة هذه المرة في التصويت والانتخاب!!
فهل الهدف من ذلك أن يتلقى (الرجاجيل) الصدمة الانتخابية الأولى.. فإن كان الأمر كذلك .. ( فالله يخلي للنسا رجالها).. وتاليتها؟!!.
فاكس: 2051900 |