كان موضوع المقالة السابقة عن المسابقات الرمضانية وجوائزها المدفوعة الثمن مسبقاً والحالمين بالفوز بملايين لن يفوزوا بها والذين ما أن ينتهي رمضان حتى يبدءوا في البحث عن طريقة لتسديد فواتير الجوال والهاتف.
ولأن الغرب مصدر هذا النوع من الأنشطة قد وعى لخطورتها على المجتمع ومزاحمتها للأنشطة الاقتصادية المنتجة ولخطورتها على الأفراد والأسر والذين ربما قضوا حياتهم وأنفقوا مدخراتهم في محاولة اغتراف الماء من السراب، فقد وضع كما هائلاً من القوانين والتشريعات والتنظيمات التي تحكم عمل الممارسين لها وتراقبهم مراقبة لصيقة وتحد من عددهم، وفي حالات أخرى تجعلها حكراً على الحكومة والمؤسسات المرتبطة بها.
وفي المقابل، نجد الحبل على الغارب في مجتمعات الدول العربية والتي تتسم أيضاً بإساءة استخدام التقنية الأمر الذي مكن من انتشار هذه الممارسات حتى أصبحت بعض الشركات التجارية أو الصناعية والتي ليس من ضمن أنشطتها المسموح لها مزاولتها القمار تضع إعلانات في القنوات الفضائية مضمونها الدعوة إلى الاتصال على رقم أو إرسال رسالة قصيرة، ومن ثم يدخل اسم الشخص في السحب على جائزة مليونية أو سيارة فارهة في آخر الأسبوع أو آخر الشهر الفضيل!!
ما نحتاجه هو التعامل مع هذه البرامج ليس على أنها برامج ثقافية أو ترفيهية بل على أنها أنشطة تجارية وبالتالي يجب أن يسري عليها وعلى الأنشطة المساندة لها ما يسري على غيرها من الأنشطة من أحكام وضوابط وتشريعات، يضاف إلى ذلك وضع التنظيمات الخاصة بها.
وأول ذلك التأكد من سلامتها من الناحية الشرعية، وبالتالي منع ما لا يمكن إصلاحه وتعديل ما يمكن تعديله ليتواءم مع الضوابط الشرعية.
وإلزام الشركات والمؤسسات المحلية بعدم مزاولة هذا النشاط إلا بعد التقيد بهذه الضوابط حتى وإن كانت تزاوله مستخدمة في ذلك قنوات فضائية تعمل خارج الحدود، وما ينطبق على المؤسسات التي تباشر هذا النشاط ينطبق على الشركات المساندة لها مثل شركات الاتصالات فيحظر عليها دعم هذه الأنشطة سواء كان موفروها محليين أو أجانب إلا بعد الالتزام بالضوابط والتنظيمات الحاكمة لها.
والأمثلة كثيرة على أن هذه الأنشطة مليئة بالمخالفات والسعي لجني الأرباح بعيداً عن أي ضابط أخلاقي أو قانوني، ومن ذلك أن تكلفة المكالمة أو إرسال الرسالة غير معلن فيظن المتصل أنها التكلفة العادية فيفاجأ بغير ذلك، ومنها أنه في حالة الفوز بجائزة يشترط حضوره شخصياً إلى مكان استلام الجائزة وربما اضطر إلى السفر والانقطاع عن عمله ثم تأتي المفاجأة الأخرى وهي توظيفه في الدعاية لمنتجات الشركة مقدمة الجائزة بالمجان.. وعندما يعترض على ذلك يعطى قائمة بالشروط التي يفترض أن يوافق عليها تلقائياً كل من يشترك في البرنامج أو المسابقة ومن ضمنها مثل هذه الشروط وبدون الالتزام بها لا يستحق الجائزة.
إن أنواع السلع والخدمات التي تستهلك لم تعد قاصرة على مجموعة من المعلبات أو أكياس أرز وسكر، ولم تعد حماية المستهلك والحفاظ على صحته قاصرة على التأكد من تاريخ الصلاحية ومراقبة مستوى الأسعار، بل انضمت إليها قائمة جديرة بالاهتمام والمراقبة فالإنفاق على برنامج المسابقات من وجهة نظر المستهلك هو إنفاق استهلاكي وما توفره من خدمات هي خدمات استهلاكية وبالتالي فإن حماية المستهلك مما يؤثر على جوانب كثيرة في حياته أمر لازم.
صحيح أنه لا يمكن التحكم في القنوات الفضائية التي تبث من خارج الحدود ولو أن كثيراً من ملاكها مواطنون يفترض فيهم الالتزام بقيم وثوابت ومبادئ دينهم ووطنهم حتى وإن كانوا يمارسون نشاطاتهم خارجه.
لكن يمكن منع المؤسسات والشركات المحلية من توفير ودعم هذه الخدمات بأي شكل من الأشكال وفي أي مكان.
على أن هذا لا يغفل الدور الأكبر الذي يقع على عاتق من يشتري أو يستهلك هذه الخدمات، والذي عليه أن يسأل نفسه عن المردود الذي يعود عليه عندما يقوم بشرائها تماماً مثل ما يوازن بين ثمن سلعة ما والفائدة التي يجنيها من شرائه لها والسؤال الذي يطرح نفسه هل هو يبحث عن الجائزة فالاحتمالات ضئيلة وربما خسر أكثر مما يحتمل أن يكسب، وإن يبحث عن الترفيه والمتعة فلابد أن يكون ذلك ضمن الأطر الشرعية.
|