ضمن الجهود الدؤوبة لتوظيف السعوديين جرى أكثر من نقاش لموضوع ساعات العمل في المحلات والأسواق التجارية، جرى ذلك في أكثر من مجلس وعلى أكثر من مائدة.. أذكر منها نقاشاً مع صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية في منزل المربي والشيخ الجليل الأستاذ عثمان الصالح، أمد الله في عمره ووهبه الصحة والعافية، كما تطرقت الصحافة السعودية في أكثر من مقال لهذا الموضوع.. هذه المناقشات تهدف إلى حصر ساعات العمل في المحلات التجارية في حدود ثماني ساعات لكي يتمكن السعوديون من العمل في تلك المحلات.
وكان من ضمن المقترحات التي طرحت في هذا السبيل أن تفتح الأسواق التجارية أبوابها على الساعة التاسعة صباحا وحتى الساعة الثانية عشرة ظهراً ، ومن ثم تقفل أبوابها حتى الساعة الرابعة عصراً حيث تفتح مرة أخرى إلى الساعة التاسعة مساء، مع تثبيت موعد صلاة العشاء طيلة أيام السنة على هذا الوقت، بهذا الترتيب تكون الساعات المتاحة للعمل ثماني ساعات، ولا يسمح لأحد بعد ذلك بالعمل سوى البقالات والمطاعم ومحطات الوقود وما في حكمها.
وواقع الأمر أن هذا الأسلوب متبع في جميع أنحاء العالم، وله مزايا عديدة تتعدى الهدف المستهدف، وهو السعودة، تتعداه إلى إحداث تغيير سلوك اجتماعي في البلاد أحسب أنه سوف يساعد على التماسك الاجتماعي وخلق مناسبات اجتماعية حميدة.. إن فتح الأسواق حالياً إلى ساعات متأخرة قد تصل إلى العاشرة أو الحادية عشرة مساء جعل الفرص المتاحة للنشاطات الاجتماعية والعائلية محدودة.. فبالإضافة إلى ملاك المحلات التجارية والعاملين السعوديين بها وهم كثر، فإن ذهاب أحد الزوجين إلى هذه الأسواق متسوقاً إلى حين قفل تلك الأسواق يعطل تلك الفرص.
لاشك أن تحديد التسوق صباحاً من الساعة التاسعة إلى الثانية عشرة، ومساءً من الساعة الرابعة إلى التاسعة مساءً سوف ينظم عملية التسوق في تلك الأوقات، ويبقى بعد ذلك الوقت من التاسعة إلى الحادية عشرة أو الثانية عشرة حيث يمكن أن يلتم شمل الأسرة في المنازل والمقاهي أو في المطاعم، كما أنه سوف يتيح وقتاً جيداً للزيارات بين العوائل، وفي ذلك مزايا حميدة كثيرة سوف يعود نفعها وأثرها الجيد على الأسر، وعلى الأبناء والأقارب والأصدقاء.
قد يقول قائل وكما أشار إلى ذلك معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي، في لقاء مع أعضاء مجلس الشورى يوم الأحد الماضي إلى أن الأسواق التجارية سوف تفقد وقتا نشطا في المبيعات حيث أشار معاليه إلى أن أغلبية عمليات البيع تتم في الوقت المتأخر من دوام المحلات التجارية، ومع تحفظي على وجود إحصائيات تثبت حجم المبيعات في الأوقات التي تلي صلاة العشاء يفوق حجم المبيعات في الأوقات التي تسبقها فإني أميل إلى تصديق وجود أعداد من المتسوقين في تلك الفترة قد تزيد عدداً عن المتسوقين في الأوقات الأخرى، والأسباب في ذلك معروفة.. ذلك أن غالبية المتسوقين إما عاملون في الدولة أو في القطاع الخاص أو طلاب.. وهؤلاء يعملون في الفترة الصباحية وفي فترة الظهر، وبالتالي يحتاجون إلى راحة في الفترة بين صلاة العصر وصلاة المغرب، وباعتبار الوقت بين صلاة المغرب وصلاة العشاء حالياً قصير جداً فإنهم يفضلون البقاء في المنزل إلى ما بعد صلاة العشاء، وذلك لاعتبارين مهمين أولهما: وجود الأسواق مفتوحة إلى ساعات متأخرة قد تصل إلى العاشرة أو الحادية عشرة. وثانيهما: عدم وجود صلاة في هذه الفترة تحرج العوائل والرجال كذلك بالبقاء في الأسواق انتظاراً لإعادة فتح المحلات.
والرد على ذلك أن الطلب على البضائع والاحتياجات لا يتأثر بالوقت الذي تفتح فيه المحلات، فإذا ما عرف الناس أن المحلات سوف تقفل أبوابها على الساعة التاسعة مساءً فسوف يسارع كل محتاج إلى شراء ما يحتاج إليه قبل قفل الأسواق، كما أن تأخير صلاة العشاء سوف يزيد في الوقت المتاح بين صلاتي المغرب والعشاء مما يجعله كافياً للتسوق.
هذا بالإضافة إلى تحول قوة شرائية لقضاء حاجاتها في الفترة الأولى المسائية الممتدة فيما بين صلاة العصر وصلاة المغرب، أو في الفترة الصباحية، وبمعنى آخر فإني لا أرى أن تطبيق هذا النظام سوف يؤثر على حجم المبيعات بل ربما يزيده على المدى الطويل، كما قد يسمح لبعض المحلات بالاستمرار مفتوحة في فترة بعد الظهيرة الواقعة بين الثانية عشرة والرابعة عصراً، وهذا سوف يوجد فترة للتسوق قد تناسب البعض، كما أنها قد تخلق فرصاً لفتح مطاعم ومقاه تخدم العاملين والمتسوقين في هذه الفترة، كما ستمنح العاملين في هذه الفترة مكافآت إضافية على رواتبهم، أو تجعل العاملين يرتبون العمل بينهم على شكل ورديات مما يزيد أعداد العاملين، وفي كل هذه الحلول فائدة ملموسة للعاملين السعوديين.
هذا التنظيم لن ينطبق على البقالات والمحلات التي تتعامل بالمواد الغذائية، كما سوف تستثنى المطاعم ومحلات الأكلات الخفيفة والمقاهي ومحطات الوقود.. أعتقد جازماً أن قرار مثل هذا التنظيم سوف يحدث وقعاً اجتماعياً جيداً يغير من السلوك الاجتماعي في مجتمعنا إلى الأفضل.
والله من وراء القصد...
(*) عضو مجلس الشورى |