ينتظم عقد المسلمين في جدة اليوم، ويجتمع عدد كبير منهم وقبل أن نتناول الموضوع بالتعليق نحب ان ننبه لحقيقة مهمة.. تلكم هي ان اجتماع المسلمين، وتآلفهم، واجتماع كلمتهم، وتوحيد صفوفهم أمر طبيعي تقتضيه تعاليم الدين، ويصبح شيئاً حتميا بمجرد التلفظ بلا إله إلا الله محمد رسول الله.. والإسلام في مجموعه اتفاق واتحاد وإزالة للفوارق..
ولم يحدث أن جانب وصف الإسلام هذه الحقيقة إلا حينما ابتلي المسلمون بأحداث في السنوات الأخيرة فرقت كلمتهم ومزقت صفوفهم، وباعدت بين قلوب بعضهم، وأمكنت للعدو منهم حتى صار العالم يبارك للمسلمين اجتماعهم ويغبطهم على ضم شملهم.. وما علموا ان ذلك هو الدين وبدونه لا يكون الإسلام حكماً بين المسلمين ولا موجها، ولا مطبقاً...
فالاجتماع اليوم في جدة بجوار المقدسات، وبأرض الدعوة ومنطلق النور شيء طبيعي بالنسبة للمسلمين.
والمهم في الأمر ان يكون المجتمعون يدركون هذه الحقيقة ويؤمنون بالإسلام عقيدة وحياة، ومعاملة، وعلاقة، فإذا ضمنا وجود هذه الروح بين أعضاء المؤتمر - وهي موجودة بحمد الله - كان الأمل قويا في الوصول الى النتائج المرضية العملية..
ونحن ندعو الله من كل قلوبنا أن يأخذ بقلوب المجتمعين ويجمعها على رأي واحد وعمل موحد لما فيه مصلحة المسلمين.. ونذكرهم بالملايين الذين يصيخون السمع لأخبار اجتماعهم هذا ينتظرون ما يأتي به من خطوات صادقة، وعزم وتصميم تزيح ما ران على قلوب المسلمين، وما ظلل سماءهم من أحداث أصابت قلب كل مسلم، ونكبات كادت تقضي على البقية الباقية من المسلمين، نريد من المؤتمرين أن يؤمنوا هم بالإسلام كما أراد الله - وان يحكموه على أنفسهم وأممهم، ونريد منهم أن يصدقوا الله في أعمالهم وفي مداولاتهم فإن الله مطلع على السرائر وعالم بخلجات النفوس، وان يخفى عليه ما يغطى بالمجاملة أو يخفى بالحديث الحلو المعسول.
نريد من المؤتمرين أن يحملوا الإسلام الذي حمله المسلمون الأول وان يفهموا العالم ان دين الإسلام هو دين الخير والسلام، دين العدل والمساواة، دين الإنسانية كلها.. ولن توجد ظروف تحيط بالعالم كالتي تمر به اليوم، ففيه خلو روحي لا يملؤه إلا الإسلام، فإذا قصرنا في إفهامه للناس فذلك ذنبنا لا ذنب ديننا. واذا لم نستفد منه فذلك تقصيرنا لا ضالحة تعاليمه وقصور نظمه.. واذا فرطنا في هذا الحيز الذي بين أيدينا فلن ندرك الخير من غيره، ولن نسعد بسبب سواه -.
نريد من المؤتمرين ان يستبدلوا مرة واحدة، فإنما العاجز من لا يستبد والمسلمون بيدهم المقومات كلها ولكن بعضهم لا يدركها..
نريد منهم الا يفكروا في عدد الجلسات أو تكرارها ولكن يفكروا في جدواها وأثرها على الحياة الإسلامية.
لقد جرب المسلمون كل المبادئ والنظم, وقربوا وبعدوا ولم يجدهم ذلك شيئاً.. ولن ينفعهم إلا تمسكهم بالإسلام وتحكيمه على أنفسهم وأموالهم ومصالحهم الخاصة والعامة.. وفيه غناء عن كل شيء سواه..
ألا فليفهم المؤتمرون ان غير المسلمين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة وان الكفر كله ملة واحدة، وأهل هذه الملة أعداء الإسلام أينما كان وحيثما انهم جميعاً {يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} (8) سورة التوبة.
ولو أن المسلمين طبقوا الإسلام حقيقة لاستغنوا عن كل أحد ولخضعت الدنيا لهم ولكانوا في مقدمة العالم وقيادته بأيديهم، وهذا هو ما يخافه أعداؤهم، نسأل الله أن يجعل أعمالنا نافعة، واجتماعنا مباركاً وهو حسبنا ونعم الوكيل.
|