ضمن فعاليات الهيئة العليا للسياحة في مدينة الجمال والهدوء حائل عروس الشمال أُقيم في حديقة السمراء (أحد أكبر المتنزهات الحديثة في المدينة).. معرض الحرف اليدوية والأكلات الشعبية والذي أُقيم على أرض ترابية في الزاوية الشرقية من الحديقة بتصميم قديم مميز وملفت للنظر وكأن الداخل إليه عابر لبوابة الزمن الخيالية بين قرنين مختلفين.. وقد ضمَّ السوق حرفاً قديمة اشتهر بها اهالي المنطقة والملابس وطريقة طرح البدوي للسلعة وصناعات كانت تتم بطرق بدائية وأكلات شعبية قديمة مستمرة معروفة في مجتمعنا. الملفت للنظر أن من يتجول في أرجاء السوق يدرك بسرعة.. الغاية الحقيقية من إنشاء مثل هذا المعرض أو السوق، فواجهة السوق، أو البوابة الرئيسة تخبرنا عن الأدوات الأساسية المستعملة في البناء والتشييد ثم بتسلسل منظم وعبقري يكون أول ما يقع عليه أعيننا المجسم الذي يترك المجال للزائر ان يبحر في اعماق وجدانه للصورة كيفما شاء من ثم إلى جانبه ارض يقام عليها عملية خلط الطين بالماء والتبن لصنع الطوب المستعمل في بناء المنازل الطينية القديمة والتي اثبتت صمودها أمام عوامل الزمن ثم المجسم الرائع المتقن لبيت الشعَر ومحتوياته وتقسيمه ومكان الطبخ والنوم وعادة البدوي المحافظ عليها رغم تغيُّر الزمن والأجيال، وهي الكرم ويأتي بشكل مبسط رائع وملفت للنظر وهو شاة مذبوحة امام قسم الرجال منسكبة الدماء اشارة إلى سرعة البدوي في انجاز واجبات الضيف وانسكاب الماء من القربة وعوامل المناخ كالرعد والمطر والأزهار البرية التي تتفتح بمجرد لمس الماء لها (متنان)، ثم المحلات التي احتوت على السلع (صناعة الأواني المنزلية من الدلة والابريق والقِدر والملعقة والسكين إلى الأسلحة المنتشرة آنذاك ثم الجلود وعملية دبغها ثم غزل الصوف وعملية البرم (دمج الخيوط لتصبح أكثر متانة) والسدو وبرم وبر الإبل لصناعة الخيوط الصوفية المميزة (ماركة مسجلة) ثم عملية الخياطة للبراقع والملابس القديمة التي كانت على الرغم من انحصار انواعها بثلاثة موديلات فقط (الكرته، الكلوش، والمرودن) الا انها هي فقط المستعملة في مجتمعنا القديم ثم هناك صناعة (الزبيل، القفة، والطباقة) والمصنوعة من الخوص ثم هناك الأكلات الشعبية (كخبز الصاج، الثريد، المرقوق، الرز المسلوق، الهريس، الجريش) ثم المشروب المميز والأكثر شعبية في حياة البدوي المرفه وغير المرفه على حد سواء وهو (المريسة) وهي عبارة عن الأقط المنقوع في الماء ثم الأقط (البقل) والدهن (السمن).. وقد صممت هذه المحلات التي ضمت كل تلك الحرف والصناعات على واجهتين للسوق وجعلت الواجهة الثالثة مرآة للسوق ليشاهده المارة ولكي يضفي على السوق طابع الحقيقة وجعلت الواجهة الرابعة هي البوابة لدخول السوق، هناك ندرك بعمق الإستراتيجية النيرة للعقل المبدع الذي قام على تصميم مثل هذا السوق وعلى سعة وإدراك البدوي القديم للتخطيط والدراسة ثم هناك تلك المقاعد والطاولات المصنوعة من سيقان النخيل بطريقة فنية ابداعية غاية في الجمال لكي يتسنى للباحث عن الراحة ومتعة التفرج والتأمل حتى في استراحة بأن هناك رفاهية للبدوي أو الجيل السالف وانه كان كما نحن اليوم باحثاً نشيطاً عن التطور والتقدم وان القائمين على كل هذا السوق وغيره انما هم باحثون نشيطون عن متعة السائح وتوسيع مداركه في ظل البحث عن الراحة والاستجمام.
السوق بشكل عام فريد من نوعه ونظراً للبداية أو كرؤية فنية فالكل يشهد انها بداية ابداعية فنية وكلوحة طبيعية مشرقة بالحيوية والحق يقال انها عظيمة تستحق التشجيع والتأييد والتصفيق بحماس لكل من ساهم في انجاح هذا السوق وانشائه والفكرة المبدئية لمثل هذا المشروع القيم في الفكرة والرؤية والعمل الجماعي المساهم في توسيع مجال المعرفة للجيل الجديد بمعاناة الإنسان بأي زمان ومكان في سبيل انجاح الحياة رغم صعوبة الظروف وقلة الامكانيات والامكانات والموارد المادية والطبيعية في القدم واجتهاد الإنسان الحديث للبحث عن الأكثر رفاهية ولكي يأخذ بيد الجيل الجديد إلى تفهم الظروف الحالية وشكر النعم وتقدير كل الجهود القديمة والجديدة للتطوير والإنماء والسمو بكل مقاييس الحياة الحديثة مع المحافظة على القديم ولإرشاد المواطن والسائح إلى الغرض الحقيقي والصادق من انشاء الهيئة العليا للسياحة في مدينة حائل والتي هي بكل طاقاتها انما هي تسعى للرقي بكافة اشكاله مع المحافظة على القديم بكل مسوغاته.
في النهاية لا بد من وقفة اعتراف بالجميل محفوفة بالغبطة مدعومة بالتأييد والمساندة للمضي قدماً لهيئة السياحة في مدينة حائل على كل هذه المجهودات الجبارة لإنجاح السياحة في مدينة الجمال والهدوء حائل رغم ضيق الوقت.. ويجب الإقرار بأنها بداية موفقة جداً بل هائلة فعلاً للخطوة الأولى.
|