إن التفكير بأهمية الالتزام التنظيمي (الانتماء أو الولاء) Organisational Commitmenet الذي يتحدث عنه البعض على أنه علم حديث وهو ليس بذلك..
فالقرآن الكريم أكد على أهمية الالتزام وجعله من الأركان الأساسية التي تقوم عليها نظم الخليقة، وكان أول تأكيد على الالتزام وأهميته عندما رفض إبليس أن ينفذ أوامر الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (34) سورة البقرة. وهذا الرفض الإبليسي ما هو إلا خروج على مبدأ الالتزام Principle og Com
mitment الرباني الذي أراده لخلقه، فاستحق غضب الله سبحانه وتعالى عليه
إلى يوم الدين وهو في النار من الخاسئين. وتكرر ذلك الخروج من آدم عليه السلام وزوجه عندما أغواهما الشيطان وأكلا من الشجرة، وعندما تابا تاب الله عليهما إنه هو التواب الرحيم والدليل قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ {35} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} البقرة 34-36. وتكرر ذلك على مر العصور سواء على مستوى الأسرة كما حدثنا القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام وإخوته وكيف أنهم آثروا الخروج على مبادئ الأسرة والكيد لأخيهم عن طريق التخطيط المبيت للتخلص منه، أو الخروج على مستوى الجماعة أو الأمة كما حدث في صدر الإسلام أيام الفتنة التي عصفت بالأمة الإسلامية بعد مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، فخرجت فئة من الناس على مبدأ التحكيم فعرفت فيما بعد بالخوارج وهذه الفرقة مذكورة بكتب الفرق والتاريخ العربي والإسلامي، يقول عنها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله تعالى-: (فلان يوجد في بعض الجماعات - يعني الخوارج - الذين يلتقون مع دعوة الحق في اتباع الكتاب والسنة ولكنهم مع الأسف الشديد يقعون في الخروج عن الكتاب والسنة من جديد وباسم الكتاب والسنة والسبب في ذلك يعود إلى أمرين: ضحالة العلم وقلة التفقه في الدين والأمر الآخر أنهم لم يتفقهوا بالقواعد الشرعية والتي هي أساس الدعوة الإسلامية الصحيحة التي يعتبر كل من خرج عنها من تلك الفرق منحرفة عن الجماعة) ثم يدعم رأيه هذا من القرآن الكريم ويردف قائلاً: (ذكرها ربنا عز وجل وبيّن أن من خرج عنها -أي الجماعة- يكون قد شاق الله ورسوله.. أعني بذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}، فإن الله عز وجل لأمر واضح لم يقتصر على قوله: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} فقال: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} فالشيخ يرى أن الالتزام الإيجابي لسبيل المؤمنين مهم لنجو الفرد من وعيد هذه الآية، ومما لا شك فيه أن الالتزام بأمر الجماعة واتباع المنهج السوي فيه خير للفرد والجماعة والأمة والدليل على وجوب الالتزام بما عليه الجماعة قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه العرباض بن سارية رضي الله عنه حيث قال: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: كأنها موعظة مودع فأوصنا يا رسول الله، قال: (أوصيكم بالسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ.. الحديث) نستخرج من وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجوب الالتزام بسنته واتباعها، والشطر الآخر هو التقيد والالتزام بسنة الخلفاء الراشدين المهديين فمن هذا الحديث ومن قول قتيبة بن مسلم: الخطأ مع الجماعة خير من الصواب مع الفرقة وإن كانت الفرقة لا تصيب والجماعة لا تخطئ)، تبرز أهمية الالتزام والاعتصام مع الجماعة حتى تتحقق للأمة خيرتها سواء على المستوى الديني أو على المستوى الدنيوي لتحقيق الهدف من الخلافة في الأرض وهو العمارة - وهو بخلاف الهدف من الخلق وهو العبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} - على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأن أي خلل بالالتزام سوف تكون نتائجه سلبية على المعطيات التنموية التي تسعى الأمة إلى تحقيقها ولمزيد من التوضيح فإننا نقول وعلى مستوى المنظمات الالتزام التنظيمي هو المحدد الأساسي لأداء العاملين فالعامل الذي يتمتع بدرجة عالية من الالتزام للمنظمة التي يعمل بها يؤدي أداء أكثر من الذي يشعر بأن التزامه أقل، فقد برهنت الدراسات أن النمو الاقتصادي
E.G الذي تحقق في كل من اليابان وألمانيا أن 90% من نجاح المنظمات يعود إلى
الالتزام التنظيمي على حين إن (10%) فقط يعود إلى المواهب ويرجع كل من
Mannari وMarch إلى وجود علاقة قوية بين الالتزام التنظيمي ومعدل دوران
العمل، حيث ثبت من دراسة مقارنة أجريت على بعض منظمات الأعمال الأمريكية واليابانية أن المنظمات اليابانية تتميز بانخفاض معدل الدوران مقارنة بالمنظمات الأمريكية ويرجع السبب في ذلك إلى زيادة الالتزام التنظيمي لدى اليابانيين. ويقول Perry Angle إن الفرد الملتزم يتميز بالمشاركة وارتفاع الإنتاجية وتقل مرات غيابه ولا شك أن ذلك كله ينعكس على الفعالية التنظيمية الكلية الفعلية.ويقودنا هذا إلى أهمية الالتزام (الانتماء) الذي سعد به هذا الوطن فكان الجميع خير أعضاء في بناء هذا الكيان العظيم، قادهم هذا إلى تحقيق الإنجازات العظيمة بكل المعايير والمقاييس الحضارية والتنموية مستعينة بالله العظيم وتسلحت بالصبر إيماناً بأن المعالي لا تنال إلا بالسعي والمثابرة والعمل الدءوب لقرع أبواب الإنجاز وتحقيق أمل الأمة.
وإذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
نعم نفوسنا كبار وطموحنا بدون حدود، ولقد حققت الأجسام المراد، فما أسعد لحظات المرء في الحياة حين يحقق النجاح والإنجاز فما بالك بأمة استطاعت أن تحقق كل ذلك بفترة قصيرة وكأني أتخيل قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال: