* القريات - جريد الجريد:
تعود بنا الذاكرة إلى زمن الطفولة ونتذكر أيام رمضان، وكيف كانت الأمهات يجهزن وجبة الإفطار حيث تبدأ الأم بعمل (الشوربة) وهي من الجريش وتحتاج إلى وقت حتى تجهز حيث تشعل تحتها نار هادئة وتتركها تطبخ وتبدأ بالعجن لتجهيز خبز (المقشوش) الذي سوف يفت مع (المرق) ويسمى (المعوقد). وبعد ذلك تضع (المقلا) الوحيد لديها على النار وتملؤه بالزيت حيث تعد (الزلابيا) وهي ما يسمى اليوم (لقيمات القاضي).. وعندما يقترب موعد الإفطار تبدأ في تجهيز (قمر الدين).. وغالباً هذا ما تحتويه مائدة رمضان.
ومع هذه الصورة نتذكر أننا كنا نقضي يومنا في اللعب في الشارع ما بين الكرة و(القلول) حيث كان رمضان إجازة، ولم نكن نعرف (الفضائيات) أو (الإنترنت).. ونتذكر هجومنا على (الخبز) بعد رفعه من على (الصاج).. ونتذكر تخاطفنا حبات (الزلابيا) رغم حرارتها. أما قمر الدين فله قصص كثيرة وخاصة تخاطفنا له من أيدي بعض بتلك الأكواب البلاستيكية التي كم كسرت والنتيجة العقاب لا محالة.
ما بين (الزلابيا) أمس و(لقيمات القاضي) اليوم تغير الكثير.. كنا نحن الصغار ممن لا نعرف الصوم قبل أذان المغرب نتجمع في الحارة ولا نجلس مع أهلنا ونترك لهم فرصة الإفطار دون زحامنا (الغثيث). نتذكر كم مرة انطلقت حناجرنا بالأذان قبل موعده للتشويش على أهل الحارة، وكم مرة أطلقنا أصوات (طراطيعنا) التي نصنعها بأيدينا لنتسابق مع صوت (مدفع رمضان)، وهذه الطراطيع نصنعها من (بواجي السيارات) التالفة حيث نكسر رأسها وبالمسمار نصنع فيها فتحة نحشوها (بالشحاط - الكبريت) وندخل المسمار فيها ثم نرمي بها على الجدار أو بالأرض فتنفجر.. المهم بعد انتهاء الأهل من الإفطار ينفض تجمع الأطفال، وقل أن ينفض دون مشاجرة إلا انها دائما ما تكون بسيطة، وينفض هذا الجمع بالانطلاق والتسابق.
بين الإخوان أنفسهم كل إلى منزله للهجوم من جديد على مائدة رمضان بعد أن انتهى الأهل منها وهموا بالصلاة ليبدأ مسلسل الخلط والكب على هذه المائدة حتى لا نبقي عليها ما يستفاد منها سوى تلك الأواني التي لا تكاد تذكر.. والنوم مبكراً.
أما في العشر الأواخر من رمضان فهناك برنامج جديد لنا وهو حضور صلاة (القيام) حيث نجهز (القهوة) و(الشاي) و(الحليب) أمام المسجد ونقوم بصبه للمصلين في استراحتهم؛ لنعود مع أهلنا وقت السحور.
الصور كثيرة لكن في مجملها توصلنا إلى تغير كبير بين رمضان الأمس واليوم ليس في المسميات فقط كالزلابيا التي تحولت إلى لقيمات القاضي، لكن التغير كبير جداً؛ فأطفال اليوم ليس لديهم الوقت لمتابعة تلك القنوات التي جعلتهم يسهرون إلى صلاة الفجر وينامون حتى العصر، ومع وفرة النعم وتنوعها لم يعد الأطفال يعبأون بما تعده أسرهم لمائدة رمضان ولم نرهم يتشابكون على حبة (زلابيا).
|