Monday 25th October,200411715العددالأثنين 11 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

الحبر الأخضر الحبر الأخضر
(.. فمن تطوع خيراً فهو خيرٌ له..) (1)
د. عثمان بن صالح العامر

في ظل الاهتمام العالمي المتصاعد بالتنمية ومفاهميها تبنى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مصطلح التنمية الإنسانية ليؤكد أن التنمية ليست مجرد تنمية موارد بشرية، أو حتى تنمية بشرية، أو وفاءً بالاحتياجات الأساسية للناس، وإنما هي نهجٌ أصيل للإنسانية في التنمية الشاملة المتكاملة للبشر والمؤسسات المجتمعية.
وعلى الرغم من أن المفهوم يقوم على حقيقة مستقرة في أدبيات التنمية، وهي أن البشر هم الثروة الحقيقية للأمم إلا أنه يرى التنمية الإنسانية عملية توسيع خيارات البشر لتشمل الفعاليات والقدرات في سائر الاتجاهات التي تحقق للإنسان ازدهاراً ورفاهيةً وأمناً.
وإذا كانت تبعات تحقيق التنمية تقع على القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع الأهلي التطوعي فإن المفهوم الحديث للتنمية الإنسانية يولي عناية خاصة للقطاع الأهلي التطوعي - أو ما يسمى عند كثيرٍ من المنظرين بالقطاع الثالث - بوصفه قطاعاً مستقلاً، مما حدا بمجتمعات العالم إلى الاهتمام بالتطوع، ونشر الثقافة التي تسانده، ووضع الآليات التي تمكّن من الاستفادة القصوى من المتطوعين والمهارات المتوفرة لديهم والخبرات التي يرغبون في تقديمها وتوظيفها في السياق التنموي. وباعتبار العمل التطوعي تعبيراً عن حيوية وديناميكية العلاقة بين المواطن والمجتمع، وتعبيراً عن إرادة وطنية نابعة من تصميم المواطنين في المجتمع على النهوض بمسيرة التنمية والأخذ بزمام المبادأة في مواجهة المشكلات والأزمات والتغلب عليها فقد أصبح حجم المنظمات التطوعية وأعداد المتطوعين فيها من مقاييس تقدم المجتمعات وقدرتها على التطور.
وفي سياق تنامي الاهتمام العالمي بالعمل التطوعي دعت منظمة الأمم المتحدة إلى السنة الدولية للمتطوعين 2001م، وقررت الجامعة العربية اعتبار يوم 15 يوليو من كل عام يوماً للعمل الوطني بالدول العربية بغرض الترويج للأعمال التطوعية، باعتبارها مجالاً حيوياً لأنشطة اجتماعية واقتصادية وثقافية بالغة الأهمية، وأحد أهم وسائط ردم الفجوة بين المجتمع والدولة من جهة وبين الفرد والحياة الاجتماعية العامة من جهة أخرى في جو من التعاون والتنسيق بينه وبين الدولة، الأمر الذي يكفل الاطمئنان والاستقرار لحاضر ومستقبل المجتمع وتقدمه.
وفي المملكة العربية السعودية نال العمل الأهلي التطوعي - وما زال - اهتماماً كبيراً على مسارات عدة وظل لحقب زمنية طويلة يتميز بالقوة والفعالية معتمداً على تحقق المقومات الأساسية من حيث توافر المساندة التنظيمية والدعم المادي من قِبل ولاة أمرنا- حفظهم الله- وتبرعات أهل الخير الحريصين على دعم أعمال البر وانتشار ثقافة التطوع بالوقت والجهد في بنية التفكير الجمعي لأفراد المجتمع.
وأدى ذلك إلى انتشار مظلة العمل الخيري داخل وخارج المملكة وتنوع البرامج التي شملت العديد من الفئات والشرائح وامتدت إلى مسارات وأنشطة كان لها أكبر الأثر في خدمة قضايا الأمة والمساعدة في مواجهة مشاكل الفقر والأزمات والكوارث الإنسانية والطبيعية.
وبفعل المتغيرات العالمية المعاصرة ولاسيما أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م تعرضت تلك المنظمات الخيرية إلى منعطف خطير أثّر عليها سلباً من عدة أوجه أهمها: شرعية الوجود - التشكيلات التنظيمية - التمويل - حرية الحركة والعمل - أنماط العلاقات المؤسسية مع الهيئات والمنظمات الشبيهة.
وتعد المشكلة الكبرى التي تواجه الجهات الخيرية الإسلامية على وجه الخصوص ذلك التصنيف الجديد الذي لحق بها بعد أحداث سبتمبر ضمن ما لحق بالإسلام والمسلمين من اتهامات بالإرهاب والتطرف والتعصب والتزمت والتخلف مما جعل من أهداف هذه المنظمات وبرامجها محل نظر وشك وتتبع ومقاومة مؤطرة في سياق التغير الكبير الذي لحق بمفاهيم السيادة وحق التدخل وعولمة القطب الواحد.
وإذا كانت قوى الهيمنة والعولمة اعتمدت على بعض أساليب القوانين الاستثنائية والتصنيف التعسفي في خانة الإرهاب والمراقبة المستديمة بشكل ينفر الجمهور ويخيف المتطوعين فإن أهم الآليات الأبرز التي اعتمدت عليها هذه القوى في صراعها مع الجهات الخيرية الإسلامية تمثلت في الإعلام واستغلال منظومته المتقدمة في بناء صورة ذهنية مشوهة لدى المجتمع الدولي عموماً وأفراد الأمة الإسلامية خصوصاً - ونتج عن هذا التشويه للصورة الذهنية للأفراد عن العمل الخيري العديد من النتائج السلبية التي يلمسها كل ذي حس ديني اجتماعي وتؤكدها نتائج العديد من الدراسات التي أجريت في الميدان.
ويعد ذلك أحد الدوافع القوية التي تدفع المهتمين والمتخصصين في العمل الخيري إلى بحث آليات تصحيح هذه الصورة المشوهة عن العمل الخيري في ذهنيات الأفراد داخلياً وخارجياً. وأعتقد أن شهر رمضان المبارك يعد بحق فرصة سانحة للقائمين على العمل الخيري في هذا البلد المعطاء لإعادة الحسابات. والعمل الإعلامي الجاد - المبني على دراسات ميدانية متخصصة تقرأ أوراق الماضي بعين الناقد الباحث عن التجديد والتطوير، وتستفيد من معطيات الواقع العالمي والمحلي، وتبحث عن النقاط المضيئة المشجعة على تخطي العقبات في سجلنا التاريخي الحافل بأعمال البر، وتعترف بالأخطاء في السنوات الماضية بكل شفافية وصراحة بعيداً عن المواربة وتلمس الأعذار،
و.. - إن هذا العمل هو أول الخطوات المهمة في إعادة بناء الصورة الذهنية الإيجابية عن جمعياتنا الخيرية لدى الغربي قبل العربي، إذ يعتبر الإعلام في نظري أحد الأنظمة الأساسية في بناء الوعي المجتمعي وتصوره الذهني عن مختلف ميادين الحياة، ولا اخال أن هذا الأمر يخفى على القائمين والمنتظمين في سلك وزارة الشؤون الاجتماعية المشرفة على هذه الجمعيات ولكن أحببت أن يكون لي شرف التذكير في هذا الشهر الكريم


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved