عودة لعبير ابنتي الصغرى.. هذه المرة سألتني عما تعنيه كلمة (ضرة).. أجبتها بتعالٍ كعادتي معها عندما أحاورها، إنه عندما يتزوج أحدهم بأخرى على زوجته الأولى تسمى الزوجة الثانية ضرة للزوجة الأولى.. أومأت برأسها بسخرية وقالت: (عارفة.. لكن وش معنى ضرة).. آه كم أحب أن أتفلسف عليها.. فقلت: الاسم ضرة مشتق من الضر أو الضرر على أساس أن الزوجة الأولى يمسها الضر والضرر من زواج زوجها بأخرى عليها وكلمة الضر وردت في القرآن الكريم عندما.. لكنها كعادتها أيضا لم تدعني أكمل فلسفتي والتبحر في الشرح وسألت: (طيب ليش الواحد يجيب الضرر للناس) ثم استدركت قائلة: (تعرف يا بابا أن التدخين مضر).
القفزة الكبيرة بين ما كنا نتكلم فيه عن الزواج والضرة إلى التدخين أربكتني بلا شك.. وبعثرت كل تفكيري.. يا ماما ما علاقة الزواج الثاني بالتدخين.. قالت بطريقتها ما معناه الإضرار بالآخرين ثم انشغلت مع صديقتها (باربي).
الموقف اشغلني.. واستفزني وبشكل كبير للتفكير.. فهي تكلمت دون ان تدري عن حدود الحرية الشخصية متى يمارسها كل فرد ومتى يجب التوقف دونها على أساس المبدأ العظيم (لا ضرر ولا ضرار) فمن حق كل إنسان أن يسعى إلى ما يريده ويفعله في حدود ما يجيزه الدين والأعراف فهو المسؤول في النهاية وعليه أن يتحمل مسؤوليته.. لكنه يجب أن يتوقف عما يفعله حتى وإن كان ضمن حدود حريته الشخصية متى ما ترتب عليه الإضرار بالآخرين.. فالذي يسعى للزواج من أخرى على زوجته لمجرد إسعاد نفسه وتجديد شبابه كما يقولون دون أن يضع ما يترتب على حصوله على السعادة المنشودة من ضرر على أبنائه وعلى زوجته الأولى وعلى مستقبل حياتهم.. هو إنسان مارس حريته الشخصية بتعسف فأسعد نفسه وألحق الضرر بالآخرين.. والمدخن الذي توهم أنه بإشعال سيجارته يسعد نفسه وفعل ذلك دون الاكتراث بمن حوله هو إنسان مارس أيضاً حريته بتعسف وألحق الضرر بأهله وأطفاله.. والقياس جائز على هذا في كل ما نفعله ابتغاء الوصول للسعادة وممارسة حرياتنا، ففي طريقنا للوصول لما يسعدنا قد نطأ بقصد أو دون قصد على كثيرين شاءت أقدارهم أن يشاركو نا الحياة فأخذنا من حرياتهم لنسعد نحن وفي هذا إجحاف وظلم للآخرين.
عبير.. هذه الصغيرة.. أتعلم منها كل يوم ما لا أتعلمه من كثيرين يملكون الفكر والمعرفة.. لأنها وببساطة لا تنظر للأمور بالتعقيد الذي نراه نحن لكنها ترجع الأمور بعفوية وبراءة إلى أصلها الطبيعي.. فأفهمها وأتعلم منها.. آه.. كم أتمنى أن أغلبها ولو لمرة واحدة..
|