Sunday 24th October,200411714العددالأحد 10 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

بشهادة وزير إسرائيلي : بشهادة وزير إسرائيلي :
استخفوا بالرئيس الأمريكي .. فكيف بالبرادعي ؟
د. صالح بن عبد العزيز العبد اللطيف - كلية الملك فيصل الجوية بالرياض

لم تُستقبل شخصية رسمية دولية بغاية الاستخفاف والاستهتار سواء على المستوى الرسمي أو الإعلامي، بمثل ما استقبلت به إسرائيل زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة النووية محمد البرادعي، وما ذلك إلا لأنها ترى نفسها دولة فوق القانون الدولي، ما دامت الدولة العظمي الوحيدة في العالم تساندها بشكل أعمى وتلقائي وممجوج.
ولم تكتف بهذا الاستخفاف بل التفت على الهدف من الزيارة، وجعلت منها منبراً لمهاجمة إيران وقدراتها النووية، وغني عن القول إن السيد البرادعي خرج من الزيارة صفر اليدين وبخفي حنين، بل إنه وصل إلى حد تبني مزاعم إسرائيل حيث أبدى تفهمه من مخاوفها وقلقها الأمني، وهذا معناه بالتالي غض الطرف الدولي عن أسلحتها النووية.
والواقع أن البرادعي مسؤول بشكل كبير عن هذا الاستخفاف الإسرائيلي سواء قبل هذه الزيارة أو أثنائها، لأنه كان أسداً على العراق وإيران فيما يتعلق بهذه الأسلحة، ونعامة فتخاء بالنسبة لإسرائيل على الرغم من أن منصبه الدولي يتيح له أن يكون صلباً وذا كلمة تضيق الخناق على إسرائيل، بل لو رفع ولو من قبيل التلويح أن السكوت الدولي على تملك إسرائيل لهذه الأسلحة وعدم توقيعها على معاهدة عدم انتشارها، ورفض تفتيش مفاعلاتها من بين كافة دول الشرق الأوسط المتهمة يعد نوعاً من ازدواج المعايير، ويجعل موقف الوكالة الدولية للطاقة النووية ضعيفاً تجاه الدول الأخرى المتهمة، لكان ذلك كافياً.
وعلى أية حال يجب ان لا يستغرب على إسرائيل كمية الوقاحة والازدراء تجاه زيارة البرادعي، إذا ما علمنا أنها استخفت وتواقحت حتى برئيس أمريكي سابق هو جون كنيدي يمثل دولة بمثابة الحياة أو الموت، أو حبل المشيمة لإسرائيل بشأن هذه الأسلحة، وللتوضيح فالقصة بدأت عام 1962م حينما وافق الرئيس كنيدي على صفقة صواريخ هوك لإسرائيل (وكانت تمثل شيئاً كبيراً لها) ولكنه في الوقت نفسه ضغط على الإسرائيليين بشدة للسماح بزيارة مفتشين من الولايات المتحدة مفاعل ديمونا في صحراء النقيب، لأنه كان يخشى من تحول الشرق الأوسط إلى حلبة سباق للتسلح النووي.
فماذا كانت النتيجة؟
لقد وافقت إسرائيل تحت الضغط الأمريكي الشديد على استقبال المفتشين الأمريكيين، ولكنها دبرت لهم فصلاً من الاستغباء والازدراء والضحك على الذقون حيث زعمت أنه مجرد مصنع للنسيج، وللتدليل على ذلك نترك وزير خارجيتها السابق أبا أيبان لكي يسرد بصفاقة وسائل الخداع والتمويه والاستخفاف بأمريكا ورئيسها التي واجهها المفتشون الأمريكيون عند زيارة المفاعل حينذاك، وكيف انطلت الحيلة على أولئك السذج : (لقد كلفنا الخداع مبالغ جهنمية لتحقيقه حتى لا يكتشف مفتشوهم ما يجري في الحقيقة، لقد نصبت جدران وهمية، وأخفيت ممرات ومصاعد، وشيدت تجهيزات زائفة من أجلهم، بحيث لم يستطيعوا ان يعثروا على دليل واحد يثبت وجود برنامج سري لدينا لإنتاج الأسلحة النووية).
وللتوثيق فهذا الكلام مذكور في كتاب صدر في أميركا عام 1994 وعنوانه Friends in Deed ألفه اميركيان هما D. Raviv و Y.Melman في الصفحة 13 والمرفقة بهذا المقال والتي يرجى نشرها معه من اجل التوثيق والمصداقية.
وحتى حينما علمت أمريكا بعد حين بهذا الاستخفاف والاستهتار بها بلعت كبرياءها وكرامتها، لأنه لم يحدث في التاريخ ان استطاعت دولة صغيرة مدعومة بمجموعة ضغط داخلية هائلة التأثير Lobby في أمريكا ان تروض أقوى وأعتى دولة على وجه الأرض ، وتسخرها للدفاع عنها وخدمة مصالحها على حساب تلك الدولة العظمى وسمعتها وسلامة مواطنيها في العالم كله، وما مواقف إسرائيل تجاه أمريكا إلا مشابهة ومطابقة للغلام الصغير في السيرك الذي يستطيع ان يسيطر على أعتى الأسود والنمور عن طريق (طرقعة) من سوطه.. لا أقل ولا أكثر.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلا بأس من ذكر قصة تثبت أن أنصار إسرائيل في أمريكا يضعون مصالح إسرائيل فوق مصالح أمريكا التي يحملون جنسيتها وجواز سفرها، فقد كان كسينجر وزير خارجية أمريكا الأسبق يحبذ في قرارة نفسه احتكار إسرائيل لإنتاج الأسلحة النووية في الشرق الأوسط على الرغم مما في ذلك من مخاطر على السلم العالمي، لأن الدول الأخرى لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا الاحتكار، فقد روى الوزير الإسرائيلي نفسه أبا ايبان في الكتاب نفسه (ص 149) انه التقى بكيسنجر في عام 1963، حينما كان مجرد بروفيسور في جامعة هارفارد وقبل عمله في الإدارة الأمريكية، فسأله الأخير عما إذا كانت إسرائيل تنتج أسلحة نووية فأجابه الوزير الإسرائيلي (كاذباً) بالنفي، فما كان من كيسنجر إلا ان رد عليه قائلاً : إنني لا أصدقك، ولكن إذا كان كلامك صحيحاً فسأعتبركم مجانين (إذا لم تفعلوا ذلك).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved