الخصوصية في العلاقات الدولية.. النموذج اللبناني السوري

في المجتمع الإنساني تندرج بعض العلاقات الدولية تحت باب الخصوصية، ومن ذلك: العلاقات التي تنشأ بحكم الجوار، أو التماثل في المعتقدات والمبادئ، وغير ذلك، وتمتزج في العلاقات اللبنانية السورية عدة عوامل في آن معاً، من الدين إلى الجوار إلى العروبة، لتفرز علاقة متفرّدة، ومع ذلك هناك من يرى أن ثمة تغولاً، أو تدخلاً من أحد طرفي هذه العلاقة في شؤون الآخر، وهذا الذي يرى ذلك يريد أن يفرض رؤاه ومنهجه بطريقة فجة بين بلدين توافقا على صيغة للتعايش تتفق مع تطلعاتهما.
وتحت القرار 1559 يتعرَّض كل من سوريا ولبنان لتدخلات صريحة وواضحة في شؤونهما، فقد رأى وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في اختيار الرئيس اللبناني إميل لحود لعمر كرامي كرئيس وزراء جديد خلفاً لرفيق الحريري برهاناً جديداً على ما أسماه (الدور غير المناسب لدمشق في لبنان).
وكان القرار المشار إليه طلب من سوريا دون أن يسميها سحب قواتها من لبنان، غير أن ذلك القرار تناسى عمداً أن هناك قوات أجنبية أخرى في لبنان هي القوات الإسرائيلية التي تحتل مزارع شبعا، كما طالب ذلك القرار بحل المليشيات المسلحة في لبنان وهي مليشيات المقاومة التي ألقمت إسرائيل درساً لن تنساه.. مجبرة إياها على الانسحاب المخزي من لبنان خلال عام 2000م.
هذه الضغوط على لبنان وسوريا تأتي كلها في صالح إسرائيل بما يطلق أيديها لمزيد من الهيمنة مع تحجيم أي دور مناوئ لها، وكل ذلك يتم تحت دعاوى الديموقراطية وحرية القرار، بينما لبنان حر في خياراته وتحالفاته حتى وإن كانت هذه التحالفات والخيارات لا تتفق مع مرئيات القوة العظمى التي يفترض أن تتصرف وفقاً لمنظور دولي واسع، وبناءً على اعتبارات تتفق مع حجم وجودها الدولي كقوة كبرى تعمل على استقرار العالم من خلال احترام تطلعات الآخرين.
هذا التدخل يظهر من جانب آخر في تلميحات إلى أن لبنان سيكون هو المتضرر إذا أصرّ على هذه العلاقة الخاصة مع سوريا، إذ إن هناك في الإدارة الأمريكية من يقول بإمكانية القيام بإجراء يرمز إلى موقف واشنطن من الوضع اللبناني يقضي بشطب لبنان من لائحة الأفضليات التجارية للتصدير إلى الولايات المتحدة، وهي لائحة الدول التي تمنح تسهيلات جمركية لبضائعها.
الضغوط تتخذ صوراً شتى، لكنها تتجاوز كثيراً قواعد السلوك الدولي السليم في منطقة متوترة، تحتاج أكثر ما تحتاج إلى معالجات هادئة لمشكلاتها، وبالطريقة التي تراعي المعطيات وتقدرها وتفيد منها من أجل التوصل إلى الحلول المناسبة للمشكلات القائمة، غير أن المعالجات الحالية بما فيها من ضغوط تُعبِّر عن توجه لإضعاف الجهات المناوئة لإسرائيل، واستثمار ذلك في مجمل سياسات التسوية لمشاكل المنطقة، وعلى رأسها الصراع العربي الإسرائيلي.