في الأسطورة التلمودية القديمة عندما دمر (شمشون) المعبد، وهد أركانه صاح قائلاً: عليَّ وعلى أعدائي، ويبدو بأن هذه الصيحة المرعبة ظلت تتردد في جنبات فلسطين إلى يومنا الحاضر، حتى التقطتها منظمة (حماس) وجعلت منها شعاراً لها، هذا الشعار بالتأكيد وقوده الشباب المتحمس المندفع، الواقع تحت كميات وافرة من القمع والظلم.
والذي يتأمل صور مدينة (غزة) بعد أن انسحب منها الجيش الإسرائيلي يكتشف حجم الخراب المروع الذي التهم الأرض والبشر والمباني. لن أبدأ بالبكائية العربية المعهودة على الأطلال، والغمز واللمز عن تخاذل العرب، والتآمر ضد العروبة والإسلام والأسطوانة المشروخة إياها التي توظف في هذه المناسبات عادة، ولكن أرى أنه بات من حقنا أن نسأل لماذا؟ بل أنْ نصيح لماذا؟ ولا سيما أن الفلسطينيين أنفسهم بدؤوا يراجعون أنفسهم فيما يتعلق بالمواجهة المسلحة، والعمليات الانتحارية، وصار هناك شبه إجماع على أن العمليات الانتحارية والمواجهة العسكرية لم تعد تخدم المرحلة في القضية الفلسطينية، بل إن هذا التوجه لم يظل على المستوى الشعبي بل تجاوزه إلى الكثير من القيادات الفلسطينية التي أقرت بأن عملية العنف في الصراع الفلسطيني الصهيوني، قد استلت من الانتفاضة الفلسطينية روحها وزخمها والتأييد العالمي الذي كانت تحظى به خلال الانتفاضة أو مشاهد أطفال الحجارة، الذي قطعاً قاد إلى ضغوط عالمية على الكيان الصهيوني أنتجت اعترافاً دولياً بفلسطين وأحقية شعبها وقياداتها في تقرير المصير، ولكن محاولة الفصائل العسكرية (لي اليد) وتوظيف المواجهة العسكرية في القضية قلب الأمور رأساً على عقب ولا سيما أن المناخ بعد الحادي عشر من سبتمبر يحمل كراهية عارمة وتوجساً من كل ما هو انتحاري وعنيف.
لكن لما هذا الإصرار، حتى قد يساورنا الشك في كثير من الأحيان بأن الذين يسلحون الفصائل في فلسطين هم الموساد الإسرائيلي ليتم تصفيتهم تحت ذريعة الدفاع عن النفس ووجود الكيان الصهيوني. مَنْ الذي يبذل اللحم الفلسطيني رخيصاً بخساً إلى المحرقة الصهيونية، مَنْ الذي انقطع عن الواقع والعالم والصيرورة التاريخية؟ مَنْ الذين تتآكل أجساد أطفالهم ومدنهم ومنازلهم تحت ذريعة.. عليَّ وعلى أعدائي.
|