انظر إليهما تجوبان الآفاق المضيئة، وترسمان لوحتين مشرقتين في كل ناحية توجه إليها نظرك، أنظر إليهما مصباحان مضيئان في أعماق قلب يخفق بحبهما، ويؤمن بهما، ويعيش بنبضه مع كل همسة فيهما.
انظر إليهما غمامتان تشرحان الصدر، وتسعدان القلب، وتزيلان عن النفس غبار الأسى والوهن والخوف والوجل.
ألا تراهما بعيني بصيرتك تضيئان كما يضيء الفجر آفاق الكون حينما ينسكب نوره في كل مكان؟ ألا تراهما ترفرفان فوقك كما يرفرف سربان جميلان من طير أودع الله فيها من الجمال ما يسر الناظرين؟
غمامتان ترسلان من رذاذهما البارد الجميل ما يزيل ظمأ الهواجر، ويداوي جراح كل قلب عليل، ما أجملهما وما أحسن ما تحملان للإنسان!
أتدري ما هما، وكيف نشأتا غمامتين جميلتين أخاذتين؟ هذا الصحابي الكريم بُريدة يقول: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: تعلَّموا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة، قال: ثم سكت ساعة، ثم قال: تعلَّموا سورة البقرة وآل عمران، فإنهما الزهراوان، يُظلان صاحبهما يوم القيامة، كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فِرْقان من طيرٍ صوافّ، وأن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشقُّ عنه قبره كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أَظْمأْتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإنَّ كلّ تاجرٍ من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كلِّ تجارة، فيُعْطَى المُلْكَ بيمينه، والخُلْدَ بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويُكْسَى والداه حُلَّتين لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بم كُسبنا هذا؟ فيقال: بأَخْذِ ولدكما القرآن. ثم يقال له: اقرأ واصعد في دَرَج الجنَّة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هَذَّاً كان أو ترتيلاً) رواه الإمام أحمد بإسناد حسن.
أرأيت أيها الحبيب إلى هذه اللوحة المضيئة البرَّاقة من البيان النبوي الساطع؟ أرأيت كيف تصبح كلمات لغة القرآن على لسان خير الأنام صلى الله عليه وسلم جواهرَ ولآلئ لا نظير لها في الحسن، ولا مقابل لها في الثمن.
(غمامتان، غيايتان، فِرْقان من طير صوافّ، زهراوان) يا له من تناسق بديع، ومن فضل جليل عظيم!
ألا تستحق هاتان الغمامتان منا حرصاً واهتماماً؟
ألا يستحق منا هذا الفضل العظيم سعياً دؤوباً وإقداماً؟
هيا إلى ظل ظليل، وجو جميل تحت غمامتين مشرقتين هما (البقرة، وآل عمران).
إشارة
لن يصرف المأساة عن وطني
إلا اجتماع حول قرآنِ |
|