* الرياض - واس:
وجّه مفتى عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ كلمة بمناسبة بدء الحملة الوطنية للتوعية والترشيد لاستخدام المياه فيما يلي نصها..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الأخوة إن مما ينبغي علينا أهل الإسلام أن نتواصى به فيما بيننا بالحق والهدى وأن نتعاون على البر والتقوى.. أليس الله عزّ وجلَّ يقول واصفاً الناجين من عباده {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ أمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، فالتواصي بالحق من أخص صفات المؤمنين التي استوجبوا بها النجاة في الدارين.
وربنا عزّ وجلَّ أمرنا أمراً عاماً { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وجاء الأمر بالتذكير في أكثر من آية وتكرر في سورتين سنّ لإمام الجمعة أن يقرؤهما في صلاة الجمعة، وهي سورة سبح والغاشية، جاء فيهما قول الله عزّ وجلَّ {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى}.. وقوله عزّ وجلَّ {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ}، والمقصود أن التواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى وتذكير المؤمنين بعضهم بعضاً أمر مشروع وجادة مطروقة وسبيل مسلوكة سلكها أشرف البشر عليهم السلام ومن استن بسنتهم واقتفي أثرهم جعلنا الله منهم.
وإن مما تجب العناية به ودوام التذكير بقدرة وبعظيم منّة الله علينا به شأن الماء.. نعم أيها الأخوة إن الماء أصل كل حي ولا حياة لشيء إلا بالماء يقول الله عزّ وجلَّ {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}، امتنّ الله علينا بهذه النعمة العظيمة نعمة الماء في أكثر من آية من كتابة العزيز يقول الله عزّ وجلّ {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} سورة النحل (10).
ويقول سبحانه {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} ..الآية وغيرها كثير في أي الذكر الحكيم.
ومن تأمل ذلك وعرف قدّر هذه النعمة وجب عليه شكر المنعم بها وهو الله عزّ وجلَّ وذلك بأن يعترف بقلبه بأنه سبحانه هو المتفضل بهذه النعمة وأنه المستحق للشكر عليها ثم اللهج باللسان لله عزّ وجلَّ حمداً وشكراً على هذه النعمة ثم العمل بأن نستخدم هذه النعمة فيما أمرنا به وما أبيح لنا من غير إسراف ولا مخيلة فإننا بهذا نكون من الشاكرين والشكر قيد النعم وكفران النعم سبب لزوالها {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} سورة إبراهيم (7) والمقصود هنا التنبيه على وجوب المحافظة على الماء وعدم الإسراف فيه فإن الإسراف في الماء ينافي شكر الله على هذه النعمة ويعرضنا لغضب الله وعقابه والله تعالى قد توعد من عصاه في جملة آيات الوعيد بأن يذهب الماء أو يجعله أجاجاً لا يصلح للشرب وهذا من أشد أنواع العذاب لمن تدبره يقول الله عزّ وجلَّ
{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} سورة المؤمنون (18) ويقول سبحانه {أفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ {68} أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ {69} لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ {70}} ويقول عزّ وجلَّ {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} (30) سورة الملك، فالواجب علينا أن نشكر الله على هذه النعمة العظيمة وألا نسرف فيها، بل نحافظ عليها أشد المحافظة ويجب أن يكون الدافع من أنفسنا طاعة لله عزّ وجلَّ ولرسوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال :(كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة) أخرجه النسائي والبخاري معلقا، بل إن الأمور التي شرع لنا فيها استعمال الماء أمرنا أيضاً بالاقتصاد فيه فهذا النبي صلى الله عليه وسلم (جاءه أعرابي يسأله عن الوضوء فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) أخرجه النسائي.
وفي البخاري عن أنس رضى الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكوك). والمكوك هو المد وهو ملء الكفين والله عزّ وجلَّ قد نهى عباده نهياً صريحاً واضحاً عن الإسراف في الشرب فقال سبحانه
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} سورة الأعراف (31)، فإذا كان هذا الشأن في الشرب الذي لا قوام لحى إلا به وفي الوضوء الذي لا بد لكل مسلم منه فما هو الشأن فيما دون ذلك.
فحري بالمسلم الناصح لنفسه الحريص على نجاتها أن يكون مطيعا لله عزّ وجلَّ ولرسوله صلى الله عليه وسلم وأن يعلم قدر نعم الله فلا يجحدها ولا يسرف فيها بل يشكرها ويسأل الله المزيد من فضله.
كما الواجب على المجتمع المسلم بعمومه التعاون على البر والتقوى في كل شؤونهم ومن ذلك شأن المياه والمحافظة عليها والاقتصاد في استعمالها لا سيما في بلاد مثل بلادنا مصادر المياه العذبة فيها قليلة وقد سعى ولاتها حفظهم الله بكل ممكن لتعويض ذلك بما هيأ الله من وسائل لتحلية المياه فمتى علمنا المشقة والصعوبة الحاصلة من أجل توفير المياه العذبة زادنا ذلك حرصا على المحافظة عليها.
وقد علمنا أن وزارة المياه والكهرباء ماضية في حملة لتوعية المستهلكين بضرورة الاقتصاد في المياه وتوزيع بعض الأجهزة المعينة على ذلك المقصود الطيب ونحن نؤيدهم في ذلك بل ونشكرهم على هذا الصنيع الذي جاءت نصوص الكتاب والسنَّة وقواعد الشريعة بالأمر به والحث عليه.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ورزقنا جميعاً الالتزام بالكتاب والسنَّة بانشراح صدر ورضا نفس. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|