رغم فرحتي الغامرة باطلاق سراح ام سعد (السجّانة) السابقة من السجن، كشعور انساني خالص كونها امرأة، وخروجها الى الحياة لمواجهتها من جديد، إلا أن المحزن في الأمر أن تكون قضية هذه المرأة بسبب حقوق امرأة أخرى، كانت مكفولتها الاندونيسية، التي تراكمت منذ عام 1409 وحتى عام 1419هـ. تخيلوا أكثر من عقد من الزمان وهذه العاملة تخدم اسرة بكاملها بلا حقوق او أجر يجفف عرقها او يدفعها لتغطية جوانب حاجاتها وأهدافها التي قدمت من أجلها.
هذا الخبر الذي نشرته صحيفة (عكاظ) تحت عنوان حقوق الانسان تطلق سراح ام سعد، ولا أدري إن كان الخبر يزف لنا احدى نتائج نشاط اللجنة، ام تكافل المواطنين الذين دفعوا جزءا اكبر من المبلغ؟ أم أن كل ذلك لم يكن سوى هوة عميقة وانفصال بيّن بيننا وبين أدبيات العمل ومبادئ الإسلام التي حثت على اعطاء الأجير حقه قبل أن يجف عرقه، وبينما ندافع عن أنفسنا دائما، تجاه ما يوجه ضدنا بحق أو من دونه، عبر لجان حقوق الانسان الدولية والجمعيات الناشطة في هذا الشأن، الا اننا نفاجأ بمن هم بيننا يمارسون كل هذا الجبروت تجاه كادحين من أجل لقمة العيش.
كما أن اهمالاً واضحاً ليس له مؤشر آخر سوى عدم الالمام بفكرة الخدم من الأساس، وهي ان هذه المرأة التي كانت تعمل سابقا في السجن ويفترض أنها ملمة بجزء من ثقافة القانون الذي كانت تنتمي اليه وتأكل منه عيشها، تدرك ماذا يعني اهمال حق خاص او عام، وان يصبح راتب 600 ريال من خلال الجفاء الانساني 130 الف ريال. وكيف تقبل وتحت أي مبرر ان يمضي مثل هذا الوقت الطويل في العمل والخدمة دونما توثيق يحمي كليهما من المساءلة، كأن توثق تسلم اجور مكفولتها في ورقة أو مستند مثلا، ام اننا ما زلنا غير مستوعبين اصلا مثل هذه الواجبات، وان اكثرنا لا يزال يتخاطب بمنطق أنه هنا فوق كل اعتبار كونه مواطنا، وغيره العكس حتى وان كان على ذمة كادحة واجيرة للقمة عيشها!
هناك من سيقول انها لا تملك المال، وان زوجها المرحوم كان متكفلا بدفع رواتب هذه العاملة التي اكتشفت هي الأخرى انه لم يكن يضعها في البنك لها كما كان يقول، لنفترض كل هذا، وان هذه الأسرة غير قادرة على تحمل هذه الأعباء، فلماذا تستقدم خادمة اصلا؟ وهل ستموت هذه الأسرة أو أخرى غيرها ستغادر الحياة إن لم يكن لديها خادمة، او انها اصبحت جزءا من كينونة واستقرار الأسرة السعودية؟
اتمنى أن تتسع ثقافة حقوق العمالة وأسس معاملاتهم، ليس بسطوة القانون وحده، الذي لن يستطيع الدخول الى البيوت ومساءلة ملايين الوافدات والوافدين، لكنها مسألة الاحساس لدينا، وانها هنا تتجاوز حدود أسرة غير واعية أو مقتدرة لتشمل بلداً بأكمله، بل تعطي انطباعاً عاماً عنا، لمجرد تسجيل حالة كهذه ضد بلادنا، والتي لن تنفعنا حينها توسلات لجنة حقوقنا الانسانية.
|