الأمم عندما تواجه التحديات تستنفر كل طاقاتها في درء الأخطار وتلجأ لما يسمى بالاحتياطي الاستراتيجي الذي تدخره في التعامل مع هذه التطورات التي قد تكون محسوبة أو مفاجئة والمملكة في زمن العولمة والتحولات القسرية والاختيارية للاقتصادات ليست استثناء حيث ان عليها حشد كل الطاقات لتحويل المعطيات الجديدة إلى عناصر تخدم مصالحها واستراتيجياتها المستقبلية.
قد يكون ما سبق هو الجواب لاستفسارات البعض تجاه الحركة الدءوبة التي تشهدها أروقة القطاعين الحكومي والأهلي لتحريك ملف المرأة العاملة وسيدة الأعمال داخل مجتمعنا السعودي وربما ان الاهتمام بملف المرأة الذي يأتي في سياقات أخرى أيضاً يخدم مثل تلك الافتراضات القريبة الى الواقع بطرق غير مباشرة ومن هنا فإن تساؤلات من قبيل:
هل الاهتمام بقضايا المرأة السعودية على النحو الذي تشهده المملكة حالياً يأتي استجابة لمتطلبات العولمة أم أن الأمر يتعلق بمواكبة حتمية لتطور قدرات المرأة السعودية؟
تظل مثل تلك التساؤلات تلقي بظلالها مستنطقة المسؤول لتوضيح بعض الجوانب التي قد تكبح جماح المحلقين في فضاءات خيالية بعيدة عن أرض الواقع.
بادئ ذي بدء لا بد من التأكيد من ان كل مواطن يمثل احتياطياً استراتيجياً لوطنه طالما ظلت لديه بعض العطاءات والطاقات التي بمقدوره بذلها متى طلب منه ذلك غير أن مجتمعنا السعودي يظل متفرداً ببعض الخصوصيات عن غيره من الدول والأقطار وهذا ما يتجلى بوضوح عندما يكون الحديث عن مبعث وأسباب التساؤلات سالفة الذكر (المرأة)
ربما تكون المفارقة أن مجتمعنا ظل يدخر هذه القدرات الضخمة لنصف المجتمع (كاحتياطي استراتيجي إذا شئنا القول) ولم يستنفرها بشكل متسارع إلا عندما دعت الحاجة إلى مواجهة مثل هذه التحديات الماثلة أمامنا اليوم من استحقاقات التحول من المحلية إلى العالمية تحت عنوان كبير ومطاطي وزائف (حسب مفهوم الشخص الفقير إلى ربه كاتب هذا المقال) اسمه (العولمة) ورغم أن المرأة السعودية ظلت موجودة في كل محطات التحولات الاقتصادية والاجتماعية السابقة التي شهدتها المملكة، إلا أن ما يصاغ لها حالياً من أدوار (وبمشاركتها بالطبع)، من شأنه أن يمثل دعماً مهماً واستراتيجياً للمشرع وصانع القرار وهو يعد البيئة والبنية التحتية لمواجهة تغيرات وتبدلات المناخ الاقتصادي تحت وطأة إعصار العولمة وتحدياتها.
وكما اشرنا فإن الأمم عندما تكون أمام مفترق طرق، تحشد كل طاقاتها المتاحة في درء الاخطار وهكذا فربما ليس من قبيل الصدفة أن تلجأ المملكة إلى نصف المجتمع لتستدعي هذا الاحتياط للنهوض بدورها لصياغة آليات التكيف مع التحولات الآنية والمستقبلية.
الواقع ان مشاركة المرأة عندنا في الحركة الاقتصادية حتى الآن لا تتعدى ال5.8% من اجمالي قوة العمل رغم ان القطاع الحكومي يوظف نحو 204 ألف سعودية يمثلن 90% من النساء العاملات لديه بالمملكة غير أن ارتفاع وزيادة أعداد الخريجات (الباحثات عن العمل)، من الجامعات والمعاهد ومؤسسات التعليم العالي والمتوقع أن يصل بنهاية الخطة التنموية الحالية المنتهية عام 1425ه، إلى ما يزيد على 154 ألفا هي من بين مبررات الحراك الاجتماعي تجاه تنشيط ملف المرأة العاملة ورغم تلك المساهمة الضئيلة حتى الآن الا ان المرأة السعودية تحظى بقدرات وامكانات مالية ضخمة يمكن ضخها داخل قنوات الاقتصاد الوطني بما يحقق تلك الأهداف المنشودة. تقدر الإحصاءات الرسمية الاستثمارات النسائية حالياً بثلاثة مليارات ريال، لكن المدخرات النسائية التي يعتقد أن الاقتصاد الوطني لم يستفد منها حتى الآن تقدر بنحو 16.5 مليار دولار أي ما يزيد على 62 مليار ريال.
وفوق ذلك يقول بعض المتفائلين أيضاً إن أكثر من أربعة مليارات ريال تعود إلى سيدات سعوديات جاهزة للاستثمار الفوري من قبلهن فيما لو ذللت بعض العقبات التي تواجه استثماراتهن، وهذا هو ما يسعى إليه المعنيون حالياً، كما ان بعض المصادر تقدر أن70% من الأرصدة المصرفية تعود لى نصف المجتمع يضاف إلى ذلك ما يمكن أن تسهم به المرأة السعودية في سوق العمل وتعزيز سياسات الإحلال والسعودة التي تعتبر من الاستراتيجيات الرئيسة في مقاربة المستقبل.
وبالنظر إلى المكانة التي أصبحت المرأة السعودية تتبوأها في القطاع الحكومي فإن القطاع الخاص بدوره قطع أشواطاً بعيدة لتفعيل مشاركة نصف المجتمع داخل آلياته سواء على صعيد افتتاح الفروع النسائية بالغرف أو تذليل مشاركات المرأة في المنتديات ذات الصلة بصياغة الاستراتيجيات المستقبلية. أما في مجلس الغرف السعودية فقد مضيناً قدماً في تأسيس أول لجنة وطنية نسائية تضم 30 -40 سيدة أعمال وأكاديميات وممثلات لسيدات الأعمال من مختلف الغرف التجارية بأنحاء المملكة، بغرض ايجاد كيان نسائي يقوم بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لايجاد أنشطة ومجالات عمل للمرأة.
وتم تأسيس إدارة نسائية مستقلة تقوم على شؤونها سيدة تحمل درجة عالية من التأهيل العلمي (ماجستير إدارة عامة)، والخبرة العملية المناسبة ومع الجهود المبذولة والإمكانات الهائلة المادية والعلمية والعملية التي تذخر بها المرأة السعودية فإن المجتمع السعودي أمام مرحلة جديدة تتكامل في جهودها المجتمعية للمحافظة على انجازاتها السابقة وتحقيق المزيد من النماء والرفاة خلال المرحلة المقبلة.
|