حذّر الداعية المعروف فضيلة الشيخ صالح بن مقبل العصيمي التميمي من المطالبة بمحكمة رياضية.. وشدد رجل الدكتوراه في جامعة أم القرى على أن المحاكم الشرعية هي وحدها المرجع الشرعي للفصل والحكم بين المختلفين سواء كانوا رياضيين أو غيرهم.. كما ضرب أمثلة عن مشاكل رياضية حدثت لجأ أصحابها وأطرافها إلى الشرع وحُكم فيها وفق الشريعة الإسلامية السمحة.. ورفض الشيخ العصيمي التمييز بين الرياضي أو غيره فهو غير جائز كما أنه لا يجوز الفصل بين الخطأ داخل الميادين وخارجها.. جاء ذلك في رد لسماحة الشيخ على سؤال (الجزيرة).. فكان التوضيح التالي:
سعادة الأستاذ - محمد العبدي.. حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
لقد كثر في الآونة الأخيرة مطالبة بعض الرياضيين بإنشاء (محكمة رياضية) للفصل في النزاعات القائمة بينهم على أنظمة الاتحاد الدولي (الفيفا) وقد يظن القارئ للوهلة الأولى أن القضية تتعلق بأمور رياضية بحتة لم يرد فيها حكم شرعي، وإنما هي من التنظيمات الإدارية، فلو كان الأمر كذلك، لهان الأمر وخف الخطب، ولكن الأمر أخطر من ذلك بكثير، لأن الذين يطالبون بهذه المحكمة الرياضية يريدون أن تفصل بين الرياضيين في جميع قضاياهم من ضرب واعتداء وقذف وسب داخل الملعب وخارجه.. إلخ.. وقد أثيرت هذه القضية بعدما كثر توجه كثير من الرياضيين إلى المحاكم الشرعية لإنصافهم.
ومن أمثلة ذلك: اتهم أحد رؤساء الأندية رئيساً سابقاً بالاختلاس والسرقة فلجأ الرئيس المُتهم إلى القضاء فأنصفه.
كذلك عندما اتهم أحد الرؤساء أحد الأندية باستعمال الشعوذة فلجأ إلى القضاء، وعندما قام أحد اللاعبين بضرب لاعب خارج الملعب.. لجأ المضروب إلى الشرطة لإنصافه فأحالته إلى القضاء الشرعي ليصدر حكمه، فكأن بعض الرياضيين قد استثقل أن يقف رياضي أمام القاضي الذي قد يصدر قراراً بسجنه أو جلده أو ما يراه مناسباً في الحكم، أما الوقوف أمام محكمة رياضية فلا منقصة فيه ولا عيب عند من يطالبون بالمحكمة الرياضية، ولا شك بأن هذا الأمر خطير، وقد حذَّر الله من ذلك بقوله تعالى:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (50) سورة المائدة، وقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (60) سورة النساء.
إن المؤمن الحق يفرح إذا دعي أن يُحكم فيه شرع الله، ويسمع ويطيع قال تعالى:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.. والأمة عليها أن تعلم بأن تحكيم الشرع واجب في جميع شؤون الحياة.. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} (59) سورة النساء.. وشيء نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين.. دقه وجله جليه وخفيه.. فعلى المؤمن أن يتبع حكم الله ويلتزم شرع الله كما قال تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (18) سورة الجاثية.
هل يظن الرياضي أن حكم غير الله فيه خير وأعدل من حكم؟ يقول الله تعالى:{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} (57) سورة الأنعام. ولقد أقسم الله بوجوب تحكيم شرعه بقوله تعالى:{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء.
إن المذنب يستحق أن ينال العقوبة التي قضى بها عليه خالقه، مهما كان وضعه.. يقول عليه الصلاة والسلام:( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رواه البخاري، فلا أحد فوق الشرع فإن الشرع يقف أمامه الشريف والوضيع والغني والفقير.
أو يظن الرياضي الذي يطالب بهذه المحكمة الطاغوتية كما وصفها الله أن العدل عندها والإنصاف لديها؟ فقد حذَّر الله من هذا القول ومن دعا إليه، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (60) سورة النساء.
والطاغوت هو كل شرع محاد لله، وقد يظن بعض الناس أن في أنظمة (الفيفا) صرامة فمثلاً: عندما يقذف لاعب لاعباً فقد يكون قرار المحكمة الرياضية غرامة مالية كبرى على الجاني قد تصل إلى الملايين، ولا شك أن في هذا ظلماً وجوراً.
أما في الشريعة فإن عقوبة القاذف ثمانون جلدة مع إسقاط عدالته حتى يتوب ففيها رد لاعتبار المقذوف، وتأديب للقاذف بما ليس فيه جور عليه.. كما أن المحكمة الشرعية قد توقف لاعباً، اعتدى على لاعب آخر، وفي هذا ضرر للمعتدى عليه، أما في الشريعة فإن المجني عليه ينال عوضاً مادياً يسمى إرش الجناية.
فهل رأيتم حكماً أعدل من هذا الحكم القائم على الموازنة ومراعاة الأحوال.. إنني على ثقة بإخواني الرياضيين الذين طالبوا بهذه المحكمة عن حسن نية وعدم علم بخطورة الموضوع، وأجزم إن شاء الله أنهم سيقولون بعد هذا التنبيه بلسان واحد - لا والله - ، لا نرضى بغير الله حكماً ويقولون جميعاً كما قال تعالى:{أَفَغَيْ رَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (114) سورة الأنعام.
وفي الختام أدعو جميع إخواني الذين صدرت منهم مثل هذه الدعوى أن يتوبوا إلى الله ويحمدوه ويشكروه.. لأن طلبهم هذا لم يتحقق، فلو تحقق لكان على كل من كتب وزراً إلى أن تقوم الساعة لقوله - صلى الله عليه وسلم -:( من سنَّ في الإسلام سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى أن تقوم الساعة).
وما ذكرت هذا التنبيه خوفاً من نشوء هذه المحكمة، لأنني على ثقة بإذن الله بأن هذه الدولة التي أقامت هذه المحاكم الشرعية لن تقبل بمثل هذا، لأن موقفها حازم وحاسم في مثل هذه الأمور، فولاة الأمر وفقهم الله يعلمون بأن تعدد المحاكم مفضياً إلى مفارقة الجماعة ويفتح باباً للتحزب والتعدد، ويفضي للشر وقانا الله وإياكم شره.
وفي الختام أسأل الله أن يهدي الجميع وأن يردنا جميعاً إليه.
قاله وكتبه
صالح بن مقبل العصيمي التميمي
الرياض |