Saturday 23rd October,200411713العددالسبت 9 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "رمضانيات"

خواطر في الصيام خواطر في الصيام
د. عبدالرحمن بن سليمان الدايل

يتميز شهر رمضان عن سائر الشهور بنزول القرآن الكريم فيه لهداية الإنسان وإخراجه من الظلمات إلى النور وقد كان نزول القرآن الكريم في ليلة هي خير من ألف شهر التي يتحراها المسلمون في هذا الشهر الكريم وهي ليلة القدر التي وصفها القرآن الكريم بأنها ليلة {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {4} سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} فهي ليلة سلام من الله على خلقه.
والسلام هو أمل هذه البشرية الذي تتشوق إليه وتبحث عنه لتعيش حياة آمنة مطمئنة، ولكن هيهات لها ذلك إن بحثت عن السلام وهي بعيدة عن القيم الروحية المستمدة من دين الله القويم.
ولعل لنا في هذا الشهر الفضيل دروسا في السلام مع النفس والسلام مع الآخرين والسلام مع كل من حولنا في بيئتنا التي نعيش فيها، فالمسلم مطالب وهو صائم بأن يكون قدوة في سلوكه وأسوة في تصرفاته وأفعاله، ليحافظ على صيامه ويجني الفوز والفلاح من قيامه، إنه مطالب بأن يكون ساعيا في الخير حريصا عليه، ينشر السلم والطمأنينة بين بني جنسه، يقرب بين قلوبهم وينشر المحبة بينهم، ويكسر حدة الجفوة إن ظهرت بوادرها فيتمسك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم.
فإفشاء السلام هو الطريق لنشر المحبة والتراحم بين الناس، وهو طريق يسير لتسود المودة بينهم، ولذلك فقد حثنا ديننا على السلام وفرضه علينا أن نرد التحية بأحسن منها أو نردها كما هي (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) لما في ذلك من تأليف للقلوب وتوثيق لعرى المودة والوئام بين الناس، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل السلام من أفعال الإسلام التي ينال صاحبها الخير، ففي الحديث المتفق عليه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقر السلام على من عرفت ومن لم تعرف) فالسلام لا يقتصر على من نعرف فقط لأن إشاعة المودة والسلام تدعم الروابط الإنسانية بين الناس وتوثق العلاقات بينهم، وتزيل ما بينهم من خصومات وعداوة، تلك الخصومات التي إذا نمت جذورها استحوذت أشواكها على القلوب وخففت من جذوة الإيمان المتدفق فيها، حيث تصل بأصحابها وأطرافها إلى ما يسخطه الإسلام ويحذرنا منه، فقد تصل العداوات إلى درجة القطيعة والسخط والحقد الذي كان يمكن تجاوزه بإفشاء السلام ولذلك فقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوقوع في حبائل الشيطان فقال: (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكنه لم ييأس من التحريش بينهم) رواه مسلم، وذلك لأن القطيعة والجفاء هما السبيل الذي يحرص الشيطان على أن يسلك فيه وبه ابن آدم ليباعد بينه وبين سبل الخير والسلام. ومن هنا جاء حث الرسول صلى الله عليه وسلم صريحا وواضحا على إصلاح ذات البيت وفضل ذلك على ما عداه من أفعال فقال (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هو الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين) رواه الترمذي.
وهكذا فإن السعي لإصلاح ذات البيت وتقريب القلوب وتحقيق التآلف بين المسلمين من أفضل طرق الخير ودروبها التي يجب أن نسلكها ليعم السلام بين الناس، ومن أبسط وأيسر السبل لتحقيق ذلك إفشاء السلام ورد السلام والتحية وإلقاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف، فبالرغم من أن كلمات السلام قليلة وتدخل في نظر البعض في نطاق الشكليات إلا أن آثارها عميقة في النفس تقارب بين الناس وتحفظ العلاقات بينهم وتبقي حبال المودة ممدودة فيما بينهم، ولذلك فإن إلقاء السلام يشير إلى سمو نفس المسلم وتواضعه لخلق الله وهو من أسهل الطرق لتحصيل الحسنات لما فيه من إشاعة الالفة بينهم ولعل هذا ما يفسر لنا ما كان يحرص عليه ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما من أنه كان يغدو إلى السوق ويقول: (إنما نغدو من أجل السلام فنسلم على من لقيناه).
فما بالنا إذا كان البعض يمر بجوار إخوانه اليوم فلا يسلم عليهم ولا يلقي لهم بالاً؟
إننا في هذا الشهر الكريم حري بنا أن نراجع سلوكنا مع أنفسنا ومع الآخرين ليكون شهر رمضان منطلقا لكل سلوك قويم سليم تقريبا من رب العالمين الذي جعل السلام اسما من أسمائه وجعل الجنة هي دار السلام وجعل التحية فيها سلام {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ}، وجعل ردا على جهل الجاهلين {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} وجعلها بداية تردد على مسامع أهل الجنة {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}.
فما أحرانا في هذا الشهر الكريم أن نجعل إفشاء السلام علاجا لكثير من الأمراض التي تصيب القلوب من حقد وحسد وضغينة، وما أحوجنا أن نجعله طريقا للطمأنينة بين الناس ليسود بينهم مناخ صحي تقل فيه أو تنعدم أسباب التلوث المعنوي والمادي التي لا سبيل لإزالتها إلا بالسلام.
فلنعد إلى ما أوصى به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في حديث لابن عمر رضي الله عنهما: (اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام) رواه الترمذي وقال حديث حسن.
ولنبدأ بأنفسنا وبأطفالنا فقد كان صلى الله عليه وسلم يحرص على إفشاء السلام حتى على الصغار فقال أنس بن مالك رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.
فما أحسنها من تربية أن نبدأ من أطفالنا إذا أردنا أن يسود عالمنا السلام والرخاء والمحبة وكل المعاني الإنسانية النبيلة التي يحتاج إليها عالم اليوم.
ندعو الله أن يوفقنا جميعا لصالح أعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
والله الموفق.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved