قال لي صاحبي: ما أعظم دين الإسلام!! وما أصفى رسالته وأصدقها!! والله لقد أصابني من الهم والغم ما لم أستطع النوم معه ليالي وأياماً حينما شنَّ أعداء الإسلام حربهم الحديثة القاسية عليه عسكرياً وإعلامياً وفكرياً، حتى قلتُ في نفسي، وأستغفر الله مما قلتُ: يبدو أن خطط الأعداء المحكمة ستقلِّص من نور الإسلام حتى تحصره في زوايا ضيِّقة لا يستطيع معها المسلم حراكاً.
ثم مضت الأيام، وزرتُ بعض البلاد الغربية فرأيت من الاهتمام بالإسلام، ومعرفة حقيقته، وقراءة ما كُتب عنه، ورأيتُ من تعاطف كثير من الناس مع أهله - برغم الحملات الإعلامية الغاشمة - ما أثلج صدري، وأزال همي وغمِّي، وقلتُ بصوت مرتفع: هذا دين الله يحرسه ويحميه، فطُوبى لمَن كان من أنصاره والدُّعاة إليه.
قال صاحبي: ثم علمتُ من خلال تقارير صادرة عن المراكز الإسلامية في أمريكا أن عدد مَن أسلم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد تجاوز أربعة وثلاثين ألفاً، اعتنقوا الإسلام مقتنعين ضاربين بدعايات متعصِّبي اليهود والنصارى ضدَّه عرض الحائط، وعلمتُ أن عدد مَن أسلم بعد تلك الأحداث في بريطانيا يقارب ثلاثين ألفاً، فقلتُ بصوت مرتفع: خابت مساعي الحاقدين الذين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
قلتُ لصاحبي: أحسنتَ إذْ رفعتَ صوتك بهذا الحقِّ، حتى يسمع الغافل الذي أعمى عينيه بريق دعايات الأعداء، ولا بدَّ أن نكون على يقين لا يقبل الشك أن دين الإسلام هو الدين الحق الذي لا يمكن أن ينطفئ نوره أبداً؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو حارسه وحاميه، ولا تعجبْ يا صاحبي مما رأيتَ من انتشار دينك، برغم قسوة أعدائه؛ فإنه خير، والخير يتسلل إلى النفوس، ويدخل إلى القلوب مهما كانت المؤامرات التي تُحاك ضدَّه، ومَن الذي يمنع الخير والنور من معانقة بشاشة القلوب؟!
هذا شجاع بن وهب - رضي الله عنه - يبعثه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكتاب إلى أحد ملوك الشام التابعين للروم، وهو الحارث بن أبي شمر الغسَّاني، يدعوه فيه إلى الإسلام. ولنترك شجاعاً يحدثنا؛ حيث يقول: فذهبتُ بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحارث، فانتهيت إلى حاجبه، فأخبرني أنه مشغول بتهيئة الهدايا لقيصر؛ حيث سيلقاه في طريقه من حمص إلى إيليا مهنئاً له بهزيمة جنود الفرس. قال شجاع: فأقمتُ ببابه ثلاثة أيام، ثم أخبرت حاجبه أنني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرني الحاجب بوقت قدومه، وكان الحاجب رومياً اسمه (مري)، فأخذ يسألني عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وما يدعو إليه، فكنتُ أحدِّثه فيرقُّ قلبه حتى يغلبه البكاء، ثم قال: إني قرأتُ في الإنجيل صفة هذا النبي عليه الصلاة والسلام، وكنتُ أظنه يخرج بالشام، فإذا به يخرج في أرض القَرَظ، فأنا أؤمن به وأصدقه، ولكنني أخاف من الملك الحارث بن أبي شمر أن يقتلني. قال شجاع: فعجبتُ لأمر هذا الدين كيف يصل إلى القلوب. وظلَّ الحاجب يكرمني حتى جاء الملك، فدخلتُ عليه، فكان جوابه غليظاً، وأرسل إلى قيصر يخبره بخبري، فإذا بدحية الكلبي قد وصل إلى قيصر بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال شجاع: فلما أردتُ الرجوع أعطاني الحاجب الرومي (مري) نفقة وكسوة، وقال لي: أَقْرِئْ رسول الله مني السلام، وأخبره أني مُتَّبعٌ دينه. قال: فلما أخبرت الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك قال: صدق.
نعمْ يا صاحبي، هذا دين الله، ولكن أهل الباطل لا يفقهون.
إشارة
مَا كُلُّ مَنْ فَتَحُوا النَّوَافِذَ شَاهَدُوا
مَا أَوْدَعَ الرَّحْمَنُ فِي الآفَاقِ |
|