الكتاب :
THE FOLLY OF EMPIRE
.W Bush Could What George
Learn From Theodore Roosevelt and Woodrow Wilson
المؤلف: B.Judis John
على الرغم من أن استلهام عبر الماضي ربما يكون أمرا يسيرا ,إلا أن تعلم الدروس الصحيحة من هذا الماضي ربما لا يكون بالسهولة نفسها.. فقبل أكثر من عام ونصف العام شنت الولايات المتحدة حربها على العراق, وبينما قال مؤيدو تلك الحرب إن العراقيين سيرحبون بالجنود الأمريكيين كمحررين تماما كما حدث عام 1944 عند دخول القوات الأمريكية فرنسا لتخليصها من الاحتلال النازي، أكد المعارضون أن ما سيحدث لهؤلاء الجنود سيكون أشبه بما جرى للجيش الأمريكي في الفلبين عقب الحرب الأمريكية الأسبانية عام1898 عندما انخرط جنوده بشكل متسارع في صراع دام وضار ضد المسلحين الفلبينيين الراغبين في تحرير بلادهم من الاحتلال.
وكان هذا الصراع الذي دارت رحاه في الفلبين هو ما أثبت خطأ الاستراتيجية الامبريالية التي تبناها الرئيس الأمريكي السادس والعشرون (تيودور روزفلت) الذي حكم خلال الفترة من عام (1901 n 1908)، والتي كانت ترى أن رخاء الولايات المتحدة وعظمتها وقوتها تتحقق من خلال مضيها قدما على ذات الدرب الذي سارت عليه البلدان الأوروبية، ذاك الدرب الذي يفضي إلى فرض هيمنة امبريالية على دول العالم.
درب مغاير
وعلى خلاف (روزفلت), انتهج الرئيس الأمريكي الثامن والعشرون (وودرو ويلسون) (1913 n 1921) طريقا مغايرا خاصة بعد أن بوغت بحجم المقاومة التي لاقتها أمريكا إثر تدخلها في المكسيك، وكذلك في ضوء التطورات التي شهدها العالم بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، إذ وجد (ويلسون) أن السياسة الامبريالية لا تقود إلى إرساء دعائم الديمقراطية أو إلى إحلال السلام ,وإنما تؤدي إلى الحرب والاستبداد.
ومن هذا المنطلق رأى هذا الرجل أن دور الولايات المتحدة يتمثل في أن تقود دول العالم على طريق إنهاء الحقبة الامبريالية، وإقامة نظام عالمي جديد بديل لذلك الذي كان قائما إبان هذه الحقبة، وعلى الرغم من أن النجاح لم يحالف جهود (ويلسون)في البداية, إلا أن الأمر اختلف بعد عقود عندما أسفرت تلك الجهود عن إنشاء منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى جانب منظمات أخرى مثل حلف شمال الأطلنطي -الناتو-.
ولعل الازدهار الاقتصادي والاستقرار النسبي اللذين تمتعت بهما أمريكا خلال النصف الثاني من القرن العشرين يؤكدان حكمة وبصيرة (وودرو ويلسون).
عبر التاريخ
وفي كتابه الجديد (حماقة الإمبراطورية: ما الذي يمكن أن يتعلمه جورج بوش من تيودور روزفلت وودرو ويلسون)، يشير (جون جوديس) n وهو أحد كبار كتاب دورية (نيو ريببليكان) n إلى أن الإدارة الأمريكية لم تكن لتزج بالبلاد في هذا المأزق الذي قادتها إليه في العراق،إذا كانت قد أبدت اهتماما أكبر باستلهام العبر من تجربتي الرئيسين (روزفلت) و(ويلسون). وبشكل أكثر تحديدا، يرى (جوديس) أن نجاح الرئيس (بوش) في استنتاج الدروس الصائبة من هاتين التجربتين، كان سيحول دون أن تجد واشنطن نفسها في ذلك الموقف العصيب الذي تمر به في العراق حاليا، حيث تواجه مقاومة متصاعدة, دون أن تجد إلى جوارها سوى عدد محدود للغاية من الحلفاء.
وسائل روزفلت ومبادئ ويلسون
وبعيدا عن الأفكار التي يطرحها (جوديس)في كتابه، يمكن القول إن (بوش) يمثل بشكل ما مزيجا من رؤى (روزفلت) و(ويلسون) ولكن على طريقته الخاصة.
فعلى غرار (روزفلت), يسعى (بوش) إلى استخدام القوة الأمريكية بصورة انفرادية من أجل حماية المصالح الأمريكية, فيما تتشابه أفكاره مع مبادئ (ويلسون) فيما يتعلق برغبته في نشر الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم. ولذا فإن إسهام الرئيس الأمريكي الحالي في مجال السياسة الخارجية للولايات المتحدة على المستويين النظري والعملي يتمثل في سعيه لتوظيف وسائل (روزفلت) لتحقيق أهداف (ويلسون)، أي بعبارة أخرى العمل على نشر الديمقراطية في العالم من خلال الاستخدام الأحادي للقوة الأمريكية. إلا أن (جوديس) كان يأمل في أن يكون (بوش) نمطا مختلفا عن كلا الرجلين, وفي كتابه الذي يزيد قليلا عن مائتي صفحة، يستعرض الكاتب مائتي عام من التاريخ الأمريكي ,إلا أنه يكرس الاهتمام الأكبر للعقدين الأولين من القرن العشرين.
كعب أخيل
ويرصد (جوديس) في الكتاب تلك الحقيقة المرة التي واجهها (روزفلت) بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها القوات الأمريكية في الفلبين, فبعد أن اتقد الرجل حماسا لخوض الحرب ضد أسبانيا لضم الفلبين، اكتشف بعد ذلك مدى ضراوة المقاومة الفلبينية للجنود الأمريكيين, وعلى الرغم من أن أمريكا قد تمكنت من بسط سيطرتها على الأراضي الفلبينية في نهاية الأمر، إلا أن ذلك لم يحدث إلا بعد أن تكبدت قواتها خسائر كبيرة، وبعد أن ارتكبت هذه القوات أيضا أعمالا وحشية أثارت الرأي العام الأمريكي نفسه. ونتيجة لكل ذلك بدأت الشكوك تراود (روزفلت) في مدى جدوى المشروع الامبريالي من الأساس, وبلغ الأمر حد أنه أعلن قبل انتهاء فترة رئاسته أن الفلبين باتت بمثابة (كعب أخيل) بالنسبة لأمريكا. والدرس الذي يريد (جوديس) من (بوش) أن يستقيه من تجربة (روزفلت) في هذا الصدد, يكمن في أن السياسات الامبريالية تعد أكثر خطرا وصعوبة مما تبدو عليه.
النزعة الدولية
وعلى الجانب الآخر، يتمثل الدرس الذي يرغب مؤلف الكتاب في أن يستقيه (بوش) من تجربة (ويلسون) في إدراك مدى الحاجة إلى حشد الدول الأخرى لمساندة أمريكا في مسعاها لتحقيق أهدافها.
المعروف أن (وودرو ويلسون) بات مؤمنا بانتهاج سياسة ذات نزعة دولية على الصعيد الخارجي بعد أن أدرك من خلال ما تمخضت عنه الحرب العالمية الأولى من نتائج مدمرة أن تغليب الدول نزعتها القومية والوطنية في التعامل مع القضايا الدولية قاد إلى نهاية مأساوية.
وكان البديل الذي تبناه هذا الرجل يتجسد في معاهدة فرساي، وبالتحديد ما تنص عليه من إنشاء عصبة للأمم. ويشير (جوديس) في هذا الشأن إلى أن فشل (ويلسون) في الحصول على قبول لهذه المعاهدة في الولايات المتحدة، لا يرجع إلى رفض الرأي العام في البلاد لفكرة عصبة الأمم المنصوص عليها فيها، وإنما يعود إلى قدرة الأقلية في مجلس الشيوخ الأمريكي على الوقوف في وجه استصدار قوانين تلزم أمريكا بمثل هذه الاتفاقيات الدولية.
عقاب الصقور
من ناحية أخرى، يمكن القول إن الرؤية التاريخية التي يطرحها مؤلف هذا الكتاب تبدو دقيقة، أو ربما تكون الأحداث التي نشهدها حاليا هي التي تكسبها هذه الدقة، فليس هناك من شك في أن الامبرياليين الجدد من رجال إدارة (بوش) قد نالوا عقابا على غزوهم للعراق من خلال ما تشهده أراضيه حاليا من أحداث ليست في صالح الإدارة الأمريكية بكل تأكيد، وهو عقاب يماثل ذلك الذي ناله (روزفلت) من قبل على يد الفلبينيين. ولعل ما شهده الملف العراقي من تطورات سلبية بالنسبة للإدارة الأمريكية خلال الفترة الأخيرة، هو ما أسكت الأصوات التي كانت تتعالى في الولايات المتحدة منادية بتوسيع التدخل العسكري في العراق ليشمل سوريا وإيران، كما أن قرار الرئيس الأمريكي بطلب العون من الأمم المتحدة وحلف الناتو لتهدئة الوضع في العراق يعكس تحولا باتجاه تبني المبادئ التي نادى بها (ويلسون)، ولو على المستوى الشكلي على الأقل.
أخطاء جوديس
ولكن إذا كان (جوديس) قد نجح من خلال كتابه في رصد واستقراء الوقائع التاريخية الكبرى، فإنه لم يحقق نجاحا مماثلا في التعامل مع التفاصيل الصغيرة، فمثله مثل العديد من الكتاب الذين أرخوا لتلك الحقبة فشل الرجل في أن يتبين لمحة السخرية المريرة التي تتبدى في الوصف الذي أطلقه السياسي الأمريكي (جون هاي) - الذي عاصر فترة الحرب مع أسبانيا n على هذه الحرب من أنها (تلك الحرب الصغيرة الرائعة)!، إذ انه على الرغم من أن (هاي) و(روزفلت) عملا سويا، إلا أنه كان لكل منهما عقلية مختلفة.
ولم يكن هذا هو الخطأ الوحيد الذي وقع فيه (جون جوديس)، بل إنه أخطأ أيضا في ما قاله من أن السياسات التي انتهجها الرئيس الأمريكي الخامس والعشرون (وليام ماكينلي) (1897 n 1901) حيال كوبا والدول المجاورة لها أدت إلى زعزعة الاستقرار في منطقة الكاريبي لعقود طويلة، إذ ان هذا القول يفترض أن الاستقرار كان سمة متأصلة في هذه المنطقة من الأساس، وهو ما لا يبدو أنه صحيح على أرض الواقع.
خطأ ثالث وقع فيه (جوديس) بقوله إن (أمريكا تحت قيادة ويلسون أصبح يُنظر إليها باعتبارها أمة متعددة الأعراق)، متجاهلا حقيقة أن البلاد كانت - آنذاك - بصدد تعديل قوانين الهجرة إليها من أجل الحد من التنوع بداخلها بشكل صارم. إلا أن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه مؤلف كتاب (حماقة الإمبراطورية) هو ذلك المتعلق بتفسيره لأسباب التحول الذي طرأ على موقف (روزفلت) حيال احتلال الفلبين , ففيما كان أحد هذه الأسباب يكمن في أن (روزفلت) أدرك أنه أساء تقييم رد الفعل المتوقع من قبل الفلبينيين حيال احتلال الولايات المتحدة لبلادهم, إلا أن السبب الأكثر دقة وأهمية هو إدراك الرجل أنه أساء موقف الشعب الأمريكي نفسه في هذا الشأن، فقد ظن (روزفلت) أن الأمريكيين سيغرمون بما رآه رسالة بلادهم الحضارية بنفس القدر الذي كان هو مُغرما به بتلك الرسالة.. وعندما أدرك أخيرا أنهم لم يكونوا - ولن يكونوا - كذلك على الإطلاق، قرر نفض يده من الملف الامبريالي برمته.
ساعة بوش
وربما كان ذلك هو الدرس الأهم الذي يمكن للمرء أن يستقيه من التاريخ، إذ انه يمكن للرئيس (بوش) أن يكون حازما كما يريد حيال الملف العراقي، وأن يتعهد كما يشاء بأن تُتم إدارته المهمة التي بدأتها في العراق, ولكن يظل هذا الرجل مقيدا في هذا الصدد بعامل رئيسي وجوهري ألا وهو تصميم وإرادة المواطنين الأمريكيين أنفسهم، فالأمريكيون ساروا على الدرب الاستعماري عام 1898 فقط ليتراجعوا عنه عندما اكتشفوا أن ثمن إقامة إمبراطورية سيكون أكبر بكثير مما قاله لهم المنادون بشن غزوات استعمارية, وكذلك بعد أن أدركوا أن الفوائد التي سيحصلون عليها من المضي على هذا الطريق أقل أيضا مما زعمه هؤلاء. وعلى الرغم من أن العراق ليس الفلبين، ولكن الأمريكيين لازالوا كما هم, وليس هناك أي سبب مقنع يحدونا للاعتقاد بأنهم سيقبلون تحمل تكاليف إقامة الإمبراطورية هذه المرة بصبر يفوق ذاك الذي أبدوه في الماضي.. ولذا فإن الوقت يتضاءل بشكل متسارع أمام بوش و(كعب أخيل) الخاص به بات ينتظره.
الوحش الأمريكي
وإذا عدنا إلى الكتاب سنجد أن (جون جوديس) بعد أن رصد اللحظات الأولى لمولد الأحلام الإمبراطورية في ذهن الأمريكيين، بدأ يوجه سهام نقده لإدارة (بوش)، مشيرا إلى أنها سعت إلى إيقاظ هذه الأحلام الهائمة على وجهها منذ نهاية القرن التاسع عشر. ويقول (جوديس) في هذا الصدد إنه بعد النصر السهل نسبيا الذي تم إحرازه في أفغانستان, انتابت (بوش) ورجاله نفس نشوة الاندفاع نحو استخدام القوة التي انتابت من قبل إدارة (ماكينلي) بعد الحرب مع أسبانيا، كما عانت الإدارة الأمريكية الحالية من وهم مفاده أنها تمتلك قدرة غير محدودة على الحركة، وهو نفسه الوهم الذي عانت منه إدارة (ماكينلي) أيضا.
وأضاف الكاتب أن (بوش) ضُلل هو الآخر بالفرضية الساذجة التي تقول إن ما يسمى ب(مهمة أمريكا في العالم) يمكن إنجازها من خلال القوة والاحتلال، مشيرا إلى أن إدارة بوش زجت بالبلاد في مستنقع استعماري في العراق من خلال تقديرات خاطئة بشأن قدرات النظام العراقي السابق في مجال أسلحة الدمار الشامل، وأيضا بشأن علاقته المفترضة بتنظيم القاعدة، ويوضح الكاتب أن هذه الإدارة عزلت نفسها بذلك عن حلفاء الولايات المتحدة، وأطلقت العنان لموجة واسعة من موجات العداء لأمريكا.. وفي النهاية يمكن لنا اختتام عرض هذا الكتاب، بذكر عبارة موحية وردت بين صفحاته قال فيها مؤلفه إنه (عندما تخرج أمريكا بمفردها (إلى العالم) في مهمة تبحث خلالها عن وحوش لتدمرها.. (فإنها في هذه الحالة ) يمكن أن تصبح وحشا هي الأخرى).
|