Saturday 23rd October,200411713العددالسبت 9 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

عن أي حرية اقتصادية يتحدث معاليه.. عن أي حرية اقتصادية يتحدث معاليه..
عبدالعزيز السماري

إعلان معالي وزير العمل غازي القصيبي في حديثه لجريدة الشرق الأوسط في 2 أكتوبر 2004 أن تحديد سقف لأجور القطاع الخاص لا يواكب مبادئ الحرية الاقتصادية في السعودية، يحتاج إلى وقفات و تأملات، فالشاهد من حديث معاليه أننا نمارس حرية اقتصادية، لكن التوقف قليلاً عند تجربة مستشفى سعد الخاص عندما حاول ممارسة هذا الحيز كما عبّر عنه معاليه، يوقف الحاجة إلى مزيد من الوقفات، فالحدث يدل على النقيض إن صح التعبير،..
لكن تأملاتي لحديث معاليه لم تتوقف عند ذلك، حين أشار إلى أن تحديد سقف لأجور العاملين في القطاع الخاص لا يتوافق مع مبادئ الحرية الاقتصادية، عندها أبحرت في تاريخ (أم) الحريات الاقتصادية في العالم الحديث، الولايات المتحدة الأمريكية، لأنزل في يوم الثالث عشر من أغسطس 1938 بالقرب من حدود أريزونا ونيفادا، أسترجع فيه حدثاً مهماً في تاريخ النهضة الصناعية الأمريكية، في ذلك اليوم وأثناء بناء سد (هوفر)، أوقف مئات العمال عمليات بناء السد، وطالبوا بتحديد حد أدنى للأجور في اليوم الواحد، كانت مطالبهم ترتكز على تحديد خمسة دولارات في (اليوم) للعمل في النفق وستة دولارات في داخل مناجم الفحم كحد أدنى للأجور لكن أصحاب الشركات المنفذة للمشروع رفضوا مطالبهم واكتفوا بإعطائهم حق التوقف عن العمل إذا تجاوزت درجة الحرارة أربعين درجة مئوية. لكن الحاجة لتحديد حد أدنى للأجور دفعت بالمؤسسات الأهلية والنقابات للاستمرار في المطالبة بحد أدنى يحميه القانون المحلي، في شهر أكتوبر التالي من نفس العام، تحققت مطالبهم في تحديد حد أدنى للأجور. كان بدءاً من 25 سنتاً في الساعة، وعلى ألا تتجاوز ساعات العمل في الأسبوع 44 ساعة. وفي عام 1956م تجاوزت حاجز الدولار لأول مرة، واستمر في التصاعد بمعدل (20- 40) سنتاً في السنة، حتى تجاوز حد ستة دولارات في الساعة خلال السنة الحالية،..
إيجاد قانون يحدد أدنى سعر للأجور نواة مهمة في سوق العمل، وخطوة أهم ضمن مرحلة التطور التي يمر بها المجتمع السعودي، أما محاولة دفع السعوديين للقبول بأجر متدنٍ أسوة بالعمالة المستوردة فقد تنجح مع تفاقم حاجة الإنسان لعمل شريف، ولكن المؤكد أن تدنيه لن يخرج أصحاب الأجور المتدنية فوق خط الفقر.. من خلال تحديد الحد الأدنى للدخل، تستطيع وزارة العمل إحصاء نسب الذين يعملون مقابل الحد الأدنى للأجور، وحجم البطالة، وهو أمر يساعد المكتب على دراسة أحوالهم الاجتماعية، والمعيشية، وعبر رصد معدلات ارتفاع المعيشة، تتم مراجعة تقييم الحاجة لزيادة أخرى في الحد الأدنى وهكذا..
أثبتت إحصائيات أكاديمية من سوق العمل الأمريكي، إن اغلب الذين يحتاجون لهذا السقف هم من الطبقات الفقيرة في المجتمع، وعادة موظفي الحد الأدنى مسؤولون عن تكاليف حاجة أسرهم اليومية، مما يشدد على أهمية تواجد مثل هذا القانون، لوقف تدهور طموحاتهم المشروعة في توفير حياة شريفة لعائلاتهم. كذلك أشارت دراسات أنه بالرغم من هذا السقف، إلا أن معظم موظفي الحد الأدنى لا يتجاوزون ذلك الحد، بل يبقون سجناء للدخل الأدنى.
تنتشر مفاهيم خاطئة في ثقافتنا عن العمل، فليس صحيحاً أن من يعمل (لا) يعاني من الفقر، هناك الكثير في العالم يعيشون تحت خط الفقر بالرغم من العمل والكد تحت ضغوط الحياة المرهقة.. الإعلام يبرز فقط النجاحات الاستثنائية خارج ذلك الخط.. العمل يجب أن يكون جسراً للخروج من خط الفقر وطريقاً لا رجعة فيه إلى حياة الأمن والطمأنينة. المفهوم الخاطئ والأشهر أن هناك من يعتقد إن تحديد أو زيادة الحد الأدنى للأجور يزيد من البطالة وهذا غير صحيح، فالدراسات الإحصائية في أسواق العمل الغربية لنسب البطالة بعد زيادة الحد الأدنى لم تشر إلى ذلك..
المؤكد إن البطالة في الخليج ناتجة عن عدم تحديد سقف للأجور، وعن عوامل أخرى أهمها ازدياد حجم العمالة المستوردة، وإغراق السوق المحلية بالعمالة لا يحدها سقف من حيث العدد أو الأجر، ومنها (المتخصص وغير المتخصص)، مما يقلل من فرص نمو وتطور وزيادة أعداد العامل أو المهني المحلي، ومن الإقبال أو الاستثمار في التعليم المهني، والذي لن ينجح إذا لم يتم توفير مغريات لهم في سوق العمل، منها الحد الأدنى، والتأمينات الاجتماعية..
العمالة الأجنبية تشهد قفزات متتالية في حجمها في دول مجلس التعاون، حيث ارتفعت من 1.1 مليون عامل وافد عام 1975م يمثلون 38.1 بالمائة من إجمالي العمالة حتى وصل العدد إلى 7.3 ملايين عامل في عام 1997م (حسب دراسة لمنظمة العمل العربية) وهذا يعني أن نسبهم تصل إلى حوالي 70 بالمائة من إجمالي الأيدي العاملة. وهي للأسف نسب عالية وستؤدي إلى تبعات لن تحمد عقباها، وتتطلب قرارات اقتصادية وسياسية جريئة لحماية العامل المحلي ضد اكتساح العمالة المستوردة للسوق المحلية.
لعل ثمة اعتبارات أبرزت الحاجة إلى العمالة الأجنبية، منها عزوف العمالة الوطنية عن العمل في بعض المهن الفنية والحرفية ووجود خلل بين الخريجين المتوقع تخرجهم من حيث نوعيتهم وتخصصاتهم ومتطلبات السوق المحلي، لكن التوجه الأخير للتقدم نحو تعليم أكثر تخصصاً وموافقة لمتطلبات سوق العمل، يتطلب مراجعة تلك المفاهيم المتغيرة، فالمراقب للسوق المحلية يشهد تغيراً ثقافياً في فلسفة العمل، أصبح المواطنون يمتهنون مهناً فنية وحرفية، وهي علامات ظاهرة للمتابع، وتشير إلى أن المجتمع تخطى سني (الطفرة) طيبة الذكر! وتجاوز قوانين العيب (الممتهنة) للحرفة.
المتغيرات المحلية المتسارعة نحو التخصيص تستدعي تأسيس قانون يفرض حداً أدنى لأجور العامل السعودي أو العامل مهما كانت جنسيته،.. لم لا؟.. انه أمر يستحق الدراسة والمراجعة..
الاتجاه نحو إنشاء جامعات أهلية لسد حاجة الأعداد الهائلة من المتقدمين على التعليم الحكومي، يعني تحمل نفقات التعليم، وخطوة نحو ربط التعليم بمتطلبات اقتصاد السوق وحاجته، حيث سيفرض السوق على الجامعات الجديدة شروطه واحتياجاته البشرية، والتخصصات المطلوبة. لكنها أيضاً خطوة ستواجه صعوبات في ظل عدم وجود سقف للأجور، قد لا يجد الطالب المعونة المادية من عائلته الفقيرة مادياً، وقد يضطر للاقتراض من البنوك، إذا قررت النزول إلى أرض الواقع، لدفع فواتير الجامعة كما هو الحال مثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية. ولن يقدم على هذه الخطوة الضرورية لإكمال دراسته الجامعية أو الفنية، إذا لم يكن هناك سوق وظيفية محلية قادرة على توفير عائد مالي يسدد به المتدرب أو الطالب تكاليف الدراسة العالية وفوائدها (البنكية)!...
إذا كان الأمر كذلك، فعن أي حرية اقتصادية يتحدث معاليه. .


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved