* عنيزة - محمد إبراهيم العبيد:
الإرهاب..الانحرافات الفكرية، ظواهر عصفت بالمجتمعات وحصدت ما حصدت من أحداث مؤلمة ومؤسفة.. وفي هذا المنبر الإعلامي.. (الجزيرة) التي واكبت الحدث تواصل البحث عن العلاج من نقطة البداية لكل إنسان وهي الأسرة، لذلك شارك معنا في هذا اللقاء كلٌّ من الدكتور يوسف بن أحمد الرميح وكيل كلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم وأستاذ علم الإجرام والبحث الجنائي المشارك ورئيس مركز الشيخ ابن سعدي للدراسات والبحوث، والشيخ عبدالمحسن بن عبدالرحمن القاضي إمام وخطيب جامع السلام بعنيزة، والدكتور رشود بن محمد بن رشود السلمي من قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة القصيم، والدكتورة بدرية بنت إبراهيم السعيد الاستاذة في كلية التربية للبنات بعنيزة، وكذلك الاستاذة فاطمة بنت عثمان القاضي مديرة الإشراف التربوي بتربية وتعليم البنات بعنيزة.
التربية بالحوار
بداية فقد قال إمام وخطيب جامع السلام بعنيزة الشيخ عبدالمحسن بن عبدالرحمن القاضي في مشاركته: تتفق المدارس التربوية على مختلف توجهاتها على أن الأسرة هي حجر الأساس في تربية الأولاد بنين وبنات، فالأبوان كلاهما. والأم بوجه خاص - يصبحان مرجع الأولاد في الكلام واللغة والقيم الفكرية والطبائع السلوكية وعادات المأكل والملبس والمشرب.
إن السنوات الأولى قبل المدرسة وهي ست سنوات ليست بالزمن القليل فلكياً ولا بالمؤثر المحدود قيمياً لأنها بإذن الله تلعب الدور الأساس في تشكيل شخصية الأولاد وصياغتها سلباً وإيجاباً إضافة إلى المراحل التربوية بعدها.. ولذا فإن الوالدين في الأسرة يجب أن يعرفا أن كل ما يقومان به من قول وفعل وإشارة وعبارة له أثر كبير في عقل الأولاد وقلوبهم، وإذا كان الأمر كذلك، فإن الواجب العمل على جعل تصرفات الوالدين وأقوالهم بمبعدة عن اللامبالاة وبمنأى عن الارتجال أو الغفلة، وكلما تحقق ذلك تحقق للأبناء فرصة أكبر لبناء مقومات شخصياتهم بناء أمتن وأمكن أمام تحديات هذا الزمن العاصف الهاجم التي تهدد الدين والأوطان وتسعى لجعل المجتمعات بلا مرجعية أخلاقية أو فكرية، سوى مرجعية الشهوات التي تفتح شدقيها كالجحيم لتأتي على كل أو جل المقومات الدينية للفرد والمجتمع.
على الأبوين أن يطرحا الأهم من مشكلات المجتمع فوق الطاولة ومناقشتها مع الأولاد بروح المسؤولية وبأسلوب حواري لا يضيق بأسئلة الأولاد وتساؤلاتهم عما يرونه ومهما كانت حادة ومضادة لطرح الأبوين والمجتمع، فالكلمة هي وحي الله تعالى لأنبيائه ومخزن الفكر ومستودع التجارب فيجب استثمارها لتأسيس شخصية الأولاد على معطياتها وعطاءاتها والذين تسبق لكماتهم لأولادهم كلماتهم منهم من حيث لا يدرون يكونون قد أسسوا لخطابات العنف والانحراف الفكري في نفوس أولادهم وجعلوهم من حيث لا يشعرون فريسة للإرهاب والضياع الخلقي. يجب أن يعلم الأبوان أولادهم: أن حقهم لا يلغي حق غيرهم وأن وجودهم لا يشطب وجود غيرهم وأن حقهم لا يلغي واجبهم تجاه دينهم وبلادهم وأن المستمع الجيد سيكون مُتكلماً جيداً وأن الوطن للجميع يقوم بعد توفيق الله بجهد الجميع ولاة وشعباً، ويتأخر لا سمح الله بشيوع روح اللامبالاة وخطاب الإقصاء والاستئثار.
إن إرهاب الأبوين والمدرسين ومصادرة حق الأولاد (الطلاب والطالبات) في النقاش.. إن ذلك أكبرمخزون للإرهاب الفكري الذي يجر الإرهاب العملي والترويع الأمني، وإذا كان الأبوان يعملان على بقاء الأولاد في مناخات معيشية بعيدة عن التلوث المرضي بكل صوره، ويجتهدان في مراقبة أي تلوث في المأكل والمشرب أو المناخ، فإن مسؤليتهما يجب أن تكون أكبر واكثر حذراً إزاء التلوث الفكري والاعتلال السلوكي الذي قد يضرب الأولاد فيبقيهم خشبا مسندة جسمياً، وقلوبا خاوية فكرا وذلك يجعلهم أدوات لمشاريع كل مغامر بأمن المجتمع ومقامر بأمانه.
لا أزعم أننا أمام طوفان العولمة بكل صورها نملك حلولاً مثالية مطلقة، ولكننا - بإذن الله وعونه - إذا تعاون الجميع من قيادة وقادة وأسرة ومدرسة فإن السلبيات ستتراجع قدر الإمكان وسنتمكن إن شاء الله من محاصرتها، والموضوع أكبر من أن يوضع على كاهل الدولة وحدها وعلى الأسرة بمفردها، بل هو مسؤولية الجميع نحو الجميع لإبقاء البلاد والعباد بمأمن عن انفجارات فكرية تكون التفجيرات إحدى تجلياتها القاتمة.
إن الإرهاب مثله مثل الميكروبات التي تتوالد وتتكاثر في المناخات المجرثمة، ولعل نظافة الجسد، ذاتاً ووسيطاً، كفيلة بإذن الله لتلمس العاقبة لاسيما وأنه غريب على عقيدة وأخلاق مجتمع مثل مجتمعنا، وكذلك فإن نظافة الفكر وقدرته على الحوار ستكون بإذن الله مقبرة الإرهاب.. وكما نحذر من الرقابة المنفردة للأولاد فإنني أحذر وأحذر من غفلة مقلقة يمارسها بعض الآباء عن بيوتهم ونسائهم وأولادهم أثمرت أحداثاً وقصصاً نسمع بها ونقرؤها في ظل هذا الانفتاح الإعلامي فلا بد إذاً من وسيطة شرعية في الرقابة والضبط الأسري نحقق من خلالها صلاح الأسر والمجتمع وفلاح العباد والبلاد بإذن الله وفق الله الخطى وسدد الجهود وأصلح لنا وللجميع النية والذرية.
لبُّوا رغباتهم وحاوروهم
وأكدت الدكتورة بدرية إبراهيم السعيد الاستاذ المساعد للغة العربية بكلية التربية بعنيزة أن الأسرة تعد الأساس الذي تبنى عليه تربية الأبناء، وهي نظام اجتماعي لبقاء الجنس البشري ودوام الوجود وهذا النظام الاجتماعي مرتبط بضرورة فطرية أقرها الله سبحانه وتعالى في الإنسان وذلك باجتماع الزوجين على المودة والرحمة فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
فالاستقرار الدائم بين الزوجين يحقق بإذن الله دعائم الاستقرار الاجتماعي وتنشئة الأبناء نشأة مستقرة، ولكي تنتج الأسرة أبناء أسوياء لابد أن تضطلع بدورها في التربية لكي تحمي هذا النشء من كافة الانحرافات وبخاصة الفكرية وتحميهم ايضا من مزالق الإرهاب، ويتمثل دورها في عدة نقاط أهمها:
- الاهتمام بتعليم الأبناء الواجبات الدينية.
- تربيتهم التربية الأخلاقية المتكاملة من خلال القدوة الصالحة المتمثلة بالوالدين والأكبر سناً.
- الاهتمام بعملية التنشئة الاجتماعية.
- تزويد افرادها بالخبرات الثقافية.
- الاستجابة لمتطلبات الفرد البيولوجية.
- إشباع حاجاتهم النفسية وحل مشكلاتهم بكل وضوح وشفافية.
- إشباع حاجاتهم الترويحية والنزول إلى مستواهم من قبل الوالدين.
بالإضافة إلى ما سبق فإن للأسرة دورا كبيرا وفاعلاً حينما ترسي ثقافة الحوار والتسامح بين افرادها وتقبل الأفكار ومناقشتها وحل المشكلات التي تعترض طريقهم بطريقة هادئة بعيدة عن المشاحنات والتجريح الشخصي والتعالي من قبل الوالدين أو بعض الأبناء.
ونركز على دور الوالدين في هذا الجانب فمتى ما رأى الأبناء كيف يحاور الزوج زوجته والعكس بنوا محاوراتهم ومناقشاتهم على منوال والديهم.
فالأب الذي يفقد آلية الحوار مع زوجته وأبنائه مستحيل أن يخرج ابناؤه إلى المجتمع وهم قادرون على طريقة الحوار السليمة وإبداء وجهة نظرهم للآخر.
فتعليم الحوار والمناقشة ضرورة من ضرورات التربية والتعليم فلابد من إرساء هذه القاعدة في مدارسنا وكلياتنا لكي يخرج لنا جيل يناقش ويحاور بطريقة علمية مهذبة يستطيع ايصال الأفكار وتقبلها من الآخر.
ويذكر الدكتور عبدالله اليوسف في بحثه الذي عنوانه (دور البيئة الاجتماعية في إرساء ثقافة الحوار والتسامح لدى الشباب) والذي قدمه للمؤتمر الذي أقامته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان (موقف الإسلام من الإرهاب) 1 - 3 ربيع الأول 1425هـ (أنه لا يمكن إرساء ثقافة التسامح والحوار داخل المجتمع دون تفعيل العوامل الأربعة التي تقوم عليها العملية التعليمية وهي: الطالب والأستاذ وبيئة المدرسة والمناهج الدراسية.
وسائل الرقابة والضبط
وأضافت بقولها: حري بنا ونحن نتحدث عن وسائل الرقابة والضبط أن نسلط الضوء على مجموعة من القيم المربية، وهي القيم المطلوبة في اطار الثقافة المعاصرة ومن أهمها:
(- الشورى بدلا من التسلطية.
- العلمية بدلا من العشوائية.
- الابتكارية بدلا من التقليدية.
- الحرية النقدية بدلا من التعصب والانغلاق.
- المسؤولية بدلا من الاتكالية والهروب.
- الاتقانية بدلا من التسيب والإهمال.
- احترام الذات بدلا من المبالغة والتهوين.
- التدين المستنير بدلا من التشكلية والشعارات.
- التسامح الأخلاقي بدلا من الغلظة والتشدد.
- الوسطية والاعتدال بدلا من التطرف) (فصول في اجتماعيات التربية - د. مصطفى عبدالقادر ص 139).
فهذه القيم تسعى إلى ضبط الشخصية من خلال مراقبة تصرفاتها، وأفكارها وعلاقاتها والتأكيد على اشاعة تلك القيم في الأسرة لتكون مؤشراً للرقابة الواعية عن بعد.
ويضيف ايضا: (وحينما نؤكد على اشاعة تلك القيم في الاسرة، فلمعنى ينصرف إلى ناحيتين رئيسيتين:
* ترسيخ معاني تلك القيم في أذهان أعضاء الاسرة.
* الممارسة الحقيقية من خلال مواقف وفرص مربية داخل الاسرة). (140).
اضافة إلى التأكيد على دور الأسرة عموماً، والوالدين خصوصا في ضبط اشباع حاجات أفرادها لا كبتها. والضبط مبدأ تربوي يتضمن النظام والتنظيم والاعتدال والوسطية فتمتد هذه الوسطية لتشمل جميع مطالب الجسد والروح والعبادة والعمل.
ومما يعزز تحقيق هذه الحاجات والقيم بين افراد الأسرة إشاعتها برباط عاطفي لا يتأتى من خلال وجود اهداف مشتركة، بل من خلال تصرفات واقعية وممارسات يسودها الإيثار والتضحية والقدوة الصالحة لأبنائهم، وبهذا يستطيعون بإذن الله حمايتهم ووقايتهم من الانحرافات الفكرية والإرهاب.
مع تمنياتي لجريدة الجزيرة كل التقدم والرقي، مع شكري وتقديري للقائمين عليها على إتاحة الفرصة للمشاركة بالرأي.
تنمية الرقابة الذاتية
وشاركت الأستاذة فاطمة بنت عثمان القاضي مديرة إدارة الإشراف التربوي في محافظة عنيزة وتحدثت عن دور الأسرة في حماية أبنائهم من الانحراف الفكري فقالت: يحتل الأبناء مساحة كبيرة من عقول وأفئدة الآباء والأمهات وهو امر فطري وتوجيه سماوي حيث ضرب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) أروع الأمثلة في الرفق بالأبناء والعطف عليهم ومعالجة ما يقعون فيه من الأخطاء واعتبر القسوة والعنف نوعا من الافتقار للرحمة حيث قال صلى الله عليه وسلم: (للأقرع بن حابس لما أخبره أنه لا يقبِّل أبناءه) (من لا يَرحم لا يُرحم)، وشريعتنا السمحة تسعى إلى توثيق عرى الألفة والمحبة بين أفراد الأسرة ونبذ الخلافات والفرقة ولا شك أن سمو الشريعة الإسلامية وعمق نظرتها وشمول إحاطتها بمعالم الأسرة تحتم على من يندرج تحت مظلتها وسننها وشرائعها إعداد أسرة تضمن لأبنائها حياة يجانبها الشقاء وتشرق في ربوعها السعادة والهناء.
وفي ظل الظروف الصعبة التي تتعرض لها بلادنا الحبيبة والمؤامرات التي تحكيها أيد عابثة وظفت توظيفا دنيئاً للنيل من ديننا وقيمنا في هذا البلد الطاهر الذي نفاخر بأمانه ونراهن على تلاحم قيادته وشعبه أمام هذه التحديات تتضاعف مسؤولية الأسرة لتنمية الرقابة الذاتية لدى الأبناء ومحاربة الأفكار المنحرفة التي روج لها أعداء الدين والوطن وذلك بالتعامل مع الأبناء بروح الأبوة الصادقة التي تحيل الأبوة إلى الصداقة وتراقب عن كثب المجال الذي يتحركون في محيطه ونوع الصداقات التي يعقدونها ومصادر الثقافة التي ينهلون منها لتجنيبهم الطرق المحفوفة بالأخطار، وذلك بإشاعة لغة الحوار بإتقان وتوظيفه لتصحيح وتوجيه الفكر وحمايته من الوقوع في المزالق الأخرى والتركيز على أهمية الأمن وحب الوطن الذي يتحقق بالآتي:
- غرس المواطنة الحقة وحب الوطن لدى الأبناء والإشادة بمكانته وتاريخه المجيد وحاضره المشرق.
- ترسيخ المبادىء والقيم كونها ثوابت لا يمكن المساومة عليها.
- تنمية روح الانتماء للوطن لدى الأبناء.
الأسرة محضن التربية
الدكتور رشود بن محمد السلمي من قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة القصيم يبيِّن هنا بعض جوانب الخلل ومظاهر التقصير في التربية الأسرية ثم يرشد لما يمكن من علاج فقد قال:
للأسرة دور كبير في تنشئة جيل صالح؛ يقوم بحقوق الله أولا ثم بحقوق مجتمعه ثانياً، فالأسرة هي المحضن الذي من خلاله يمكن تنشئة جيل صالح قادر على إعمار الكون وفق أمر الله سبحانه:
وإذا ما أدرك الوالدان بأن ما يقومان به في جانب تربية أولادهما تربية صحيحة، إنما هو أداء للأمانة الربانية حيث يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } (27) سورة الأنفال وهو كذلك استجابة للأوامر النبوية، حيث يقول عليه الصلاة والسلام: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته). لذا فإن التقصير أو الإهمال في هذا الجانب إنما هو إخلال بمطلب شرعي، وتقصير في أداء أمانة ربانية.
ولعل من أعظم مظاهر التقصير في التربية الأسرية، الاقتصار على التربية الجسدية وإهمال التربية الفكرية والعاطفية للأبناء، لذا نرى كثيرا من الآباء والأمهات أصبح همهم الأول وشغلهم الشاغل أن يوفروا لأبنائهم الطعام والشراب والملبس والمسكن، وكأن رسالتهم تقتصر على بناء الأجسام وتحقيق مطالب الجسد، والإسلام لا يقتصر في الرعاية على جانب دون جانب، فتربية الاجسام تسير جنباً إلى جنب مع تربية الروح.
ومن أعظم جوانب الخلل التي نرى كثيرا من الأسرة قد قصرت فيها، وأهملت القيام بها، جانب التربية الفكرية والعاطفية للأبناء، ولعل ما نعيشه في واقعنا اليوم من وجود فئة من أبناء مجتمعنا سلكوا مسلكا شاذاً ومتطرفاً أكبر شاهد على الإخلال بهذا الجانب، والحق أن التربية الفكرية لأفراد المجتمع تقع ضمن منظومة متكاملة، تضطلع بها الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، والمؤسسات الثقافية على مختلف مستوياتها.
ولما كانت الأسرة هي المحضن الأول للتربية كان تركيزي في الحديث عن دورها، ولذا لا بد لي أن أحدد الموضوع من خلال هذا السؤال: ما دور الأسرة في تنشئة جيل محصّن ضد موجات الفساد والانحراف الفكري؟ وما الوسائل المعينة في سبيل تحقيق ذلك؟ مع كون افراد المجتمع في عصرنا - وخاصة جيل الشباب الأكثر عرضة لدواعي الانحراف - يتأثرون بعدد من المؤثرات التي أضحت تقتحم عليهم بيوتهم، إلا أن دور الأسرة هو الأساس والأهم في هذه المؤثرات، لذا ينبغي أن نحافظ على سلطة الأسرة بل وندعمها بكل ما أوتينا من قوة، وأن لا نقلل من أهميتها مهما تعددت قنوات المعرفة ومصادر التأثير.
ومع ضخامة الموضوع الذي نحن بصدده، وصعوبة الإحاطة بكل جوانبه، حيث يحتاج إلى دراسات علمية مستقلة، ولكن سأحاول أن أقتصر على بعض النقاط التي أرى أهميتها في هذا المقام، وهي نقاط يمكن ان تكون منطلقاً لحديث أكثر شمولية بعد ذلك.
فمن الوسائل التي يمكن أن تحقق بها الأسرة الأمن الفكري لأبنائها وبالتالي لمجتمعها:
أولاً: التحصين الإيماني: وذلك يتمثل في تعليم الأبناء أمور دينهم من المصادر الصحيحة.
ثانيا: التحصين الخلقي والاجتماعي للأبناء، وهذا الدور أعده أبرز ما يمكن أن تقدمه الأسر نحو أبنائها؛ ويتمثل ذلك في جوانب كثيرة يمكن الإشارة إلى أهمها:
- تربية الأولاد على حسن التعامل مع الآخرين.
- القسوة في التعامل مع الأبناء فالتأنيب والتعنيف والتقريح بل والضرب عند حدوث أي خطأ أصبح منهجا لتعامل بعض الآباء مع أبنائهم، وهذا - بلا شك - له أثره السلبي الواضح، وذلك بغرس روح العنف والعدوانية في نفوس هؤلاء الأبناء، وهذا ما جعل لغة المناقشة والحوار الهادىء مفتقدة لدى فئة من شبابنا، فليس تصرفاتهم إلا صورة لما تربوا عليه داخل أسرهم.
- الثقة المفرطة في الأبناء؛ إن مما يدعو إليه المربون زرع الثقة في الأبناء ولكن لا يعني ذلك إعطاء ثقة مطلقة بحيث يهمل الوالدان جانب التفقد والملاحظة.
- والصفة التي لا تقل خطورة عن سابقتها المبالغة في إساءة الظن في الأبناء، مما يجعل البيت يعيش جوا من الشك والريبة، وتتحول هذه الممارسات من الآباء إلى صفات يكتسبونها ويتعاملون من خلالها مع محيطهم الاجتماعي.
- الغفلة عما يقرؤه الأبناء ويشاهدونه؛ فمع أهمية هذين الأمرين في جانب البناء الفكري للأبناء إلا أن هذه القراءة والمشاهدة ينبغي أن تكون مصحوبة بالتوجيه.
- إنشغال الوالدين عن أبنائهم؛ وربما يلاحظ ذلك في جانب الأب بصورة اكبر، ويزداد الأمر سوءا إذا صاحب ذلك انشغال الأم بوظيفتها، أو صويحباتها أو زياراتها، وكانت النتيجة أن فتح على الأبناء باب واسع للشر؛ فأصبح فئة من هؤلاء الأبناء - الذين نشأوا في غفلة عن والديهم - فريسة سائغة لدعاة الفساد والانحراف الخلقي والفكري.
- كما تمثل المشاكل الأسرية جانباً مؤثرا في بناء شخصية الأبناء، فالأسر التي تعيش حالة من عدم الاستقرار الأسري نتيجة لكثرة المشاكل بين الوالدين أو نتيجة للطلاق بينهما يصبح أبناؤها أكثر عرضة من غيرهم لدواعي الانحراف المختلفة.
- وأخيراً فإن غرس روح الاعتدال في نفوس الأبناء من بين الأمور التي نفتقدها في بعض الأسر، فبعض منا يربي أبناءه على تضخيم السلبيات المحيطة به؛ حتى كأن الخير فقد من حوله، والشر والبلاء قد أحاطا به بل وبالناس جميعاً، وهذه التربية السلبية تنتج أبناء يخرجون إلى مجتمعهم بنظرة أحادية متطرفة، مما يجعل فئة من الشباب تفقد اتزانها الفكري وتحاول مصادمة هذا المجتمع الذي لا ترى فيه إلا جوانب النقص والخلل. ولا شك بأن أي مجتمع بشري لا يخلو من جوانب النقص؛ لكن لا يعني ذلك أن نقوم بتضخيم السلبيات الموجودة، وتصويرها على أنها أمور خرجت عن حد السيطرة؛ لذا فإن على الآباء والأمهات أن يغرسوا في نفوس أبنائهم النظرة المعتدلة للحياة بما فيها من جوانب شر ينبغي أن نعمل على تقليصها، وجوانب خير علينا أن ندعمها ونسعى إلى انتشارها.
وختاماً سيظل للأسرة دورها الفاعل في أمن المجتمع وحمايته من دواعي الشر، فما يحدث داخل الأسرة من تدعيم لجوانب الخير، وترسيخ للقيم، وتربية لأفرادها في جو من الاعتدال والتسامح سيصبح عاملاً إيجابياً في إفشاء هذه القيم وترسيخها بين أفراد المجتمع عموما.
كيف تتكون شخصية الإرهابي
أجاب على هذا التساؤل الدكتور يوسف بن أحمد الرميح وكيل كلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم استاذ علم الإجرام والبحث الجنائي المشارك فأشار إلى أن المتتبع للحوادث الإرهابية يرى بوضوح قيمة الأمن.. فمن جهة لقد عرفنا بقيمة أمننا واستقرارنا عندما هزتنا حوادث التفجير وكنا كمجتمع نفكر أننا بعيدون عن هذه الحوادث فهذه قد تحدث بأماكن أخرى بعيدة أو قريبة ولكن ليس بعمق الدار وكنا نقف وقفة المتفرج على هذه الحوادث الارهابية حتى حصلت عندنا.. والحمد لله رب ضارة نافعة ورب محنة تكون منحة أي ما أقصده أن هذه الاعمال الإرهابية علمتنا وأيقظتنا على مفاهيم لا بد لنا من معرفتها والإيمان بها والتمسك بها بكل قوة أهمها:
إن الحفاظ على أمن الوطن ليس مسؤولية رجال الأمن فقط ولكن هو مسئولية الجميع بلا استثناء فالأعمال الإرهابية لم ولن تفرق بين مواطن وآخر سواء كان رجل أمن أو غيره ولا بين مواطن ومقيم لأن أحد خصائص الجريمة الارهابية عدم معرفة الضحية بدقة وليست كالجريمة العادية مثل القتل أو السرقة أو غيرها.. ولكن الجريمة الارهابية قد لا يعرف فيها اسم الضحية ولا جنسيته إن كان غير مواطن لأن من هو الضحية غير مهم ولكن المهم الحدث وصدى الحدث أو أثره، لذا شاهدنا عددا من الضحايا الأطفال الأبرياء لهذه الحوادث المفجعة مثل الطفل رامي بالخبر ووجدان بالرياض.. فلماذا يستهدف مثل هؤلاء؟ هل لأنهم يسببون خطرا على هذه المجموعات؟؟ كلا ولكن السبب في الجريمة الارهابية لا تنظر للضحية مطلقا ولكن للحدث بذاته، من هذا المنطلق وجب على الجميع الوقوف صفاً واحداً تجاهه لأن المستهدف هو الجميع وهو الوطن وهو الأمن وهو التنمية وهو كل مكتسب للوطن والمواطن.
تكوين شخصية الإرهابي
من الأمور التي يجب أن نتعلمها من الحوادث الإرهابية أننا كمواطنين نحن الذين أنتجنا وأوجدنا هؤلاء الإرهابيين من حيث لا نقصد وسوف يقال كيف؟؟ والجواب من وجهة نظري كمتخصص في علم الإجرام والبحث الجنائي أن بعض الأسر السعودية قد تكون تسببت في انحراف أبنائها بدون قصد والطريقة المثلى للانخراط في هذه المتاهة هي أن الأسرة في البدء تهمل تربية الابن فلا يعرف له مكان منذ صغره فنجده يسافر بدون رقيب ويلتقي هناك بمن شاء بدون عاقل يرشده. وهذا الطفل في بداية فترة المراهقة عندما لا يكون له مراقب بدون شدة زائدة فيبدأ بمخالطة رفاق السوء وممن لهم أهداف شريرة، ومع إهمال الأسرة له يختلط بأصدقاء السوء مدة طويلة قد تصل للأشهر بدعوى انه يجلس في استراحة مع أقرانه ثم يترك الدراسة ويسافر معهم، ومع استمرار إهمال الاسرة للحدث فبعضهم قد يدفعه هؤلاء الأشرار للسفر لمناطق حروب وقتال مثل ما حصل مع بعض ممن سافروا لأفغانستان وغيرها فنجد حدثا في بداية المراهقة قليل العلم قليل الرعاية الأسرية بين عدد من الأشرار الذين يزينون له أعمالاً ما كان يخطر ببال أحد أن يفعلها.
القيادة الإرهابية
وهنا تأتي مشكلة أخطر وهي القيادة فقد يجتمع هؤلاء الأحداث بدون أن يقوموا بأي عمل منحرف ولكن المصيبة هي القيادة وهي التي يجب التركيز عليها فهم من يقوم بعملية غسيل الدماغ لهؤلاء الشباب المراهقين عن طريقة استمرار الضغط عليهم وإظهار عيوب الوطن، وإظهار وجوب القتال لإثبات وجهات نظرهم ومصيبة القائد بالإضافة إلى شحن عقول هؤلاء الفتية هي تسهيل أمور القتل والانحراف والتفجير وحل أي مشكلة تحل عن طريق الحوار بأن تحل عن طريق العنف، ومن خصائص هذا القائد أنه في الغالب قاتل سابق أو محترف إجرام أو من أصحاب السوابق وفي الغالب تعرض لمشاكل اسرية عنيفة جعلته يتجه دائماً للعنف لحل أي إشكال بسيط. ويحاول هذا القائد المنحرف اختيار أهداف منتقاة بعناية لتحقيق أكبر قدر من الدمار في الأنفس والممتلكات لإيجاد صدى لهذه العمليات. ومن مميزات هذه القيادة الإرهابية المنحرفة تخويف أتباعه من الرجوع للحق خوفاً من افتضاح أمرهم ومواقعهم. ومن صفات هذا القائد أنه ناقم بدرجة كبيرة على المجتمع ويحمل في الغالب (شخصية سيكوباتية) وهي الشخصية الدموية التي تتلذذ بتعذيب وألم الآخرين ويكون مشاهدة الدماء منظراً مثيراً للذة لهذه الشخصية السيكوباتية الدموية حتى على أصدقائها وأقربائها، فهي تتلذذ بالألم والدماء.. وتأتي هذه الشخصية من عدة أسباب من أهمها كما ذكر أن هذا الإنسان عانى طفولة عنيفة جداً في صغره وكانت تحل مشاكله الأسرية بالعنف الشديد ثم الهروب من المنزل، فهي لاحقاً تشكل شخصية هذا المنحرف.
|