صادف يوم الأحد الثالث من شهر رمضان المبارك الحالي الموافق السابع عشر من شهر أكتوبر 2004م مناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفقر ، وبهذه المناسبة زف الدكتور (كارلوس ماغارينوس) ، المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) خبرا سارا وآخر غير سار في المؤتمر الصحفي الذي عقده مؤخرا ، وقدم خلاله التقرير السنوي 2004م ، الذي جاء تحت عنوان : (التصنيع والبيئة والأهداف التنموية لإعلان الألفية الثالثة في منطقة شبه الصحراء الإفريقية ، والحدود الجديدة في الحرب ضد الفقر).
الخبر السار تمثل في قوله ان عدد الفقراء في العالم الذين يعيشون على اقل من دولار في اليوم انخفض من (1.287) بليون نسمة في عام 1981م إلى (787) مليون نسمة في العام الحالي.
أما الخبر المخيف فهو إشارته للزيادة الكبيرة في عدد الفقراء في البلدان الواقعة في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى ، حيث ارتفع من 164 مليونا في عام 1981م إلى 314 مليونا في العام الحالي ، وأشار الدكتور ماغارينوس الى ان الفقر المدقع يفرض مشاكل باتت تهدد الأمن والسلم في الكثير من البلدان الأقل نمواً والأكثر فقراً في العالم ، وما تشكله من مشاكل وتحديات لهذه البلدان على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، واستبعد أن تتحقق الأهداف والمبادئ الواردة في الإعلان العالمي للتنمية الصادر عن قمة الألفية الثالثة في بداية العام 2000م في الموعد المحدد في العام 2015م ، والأهم من هذا هو ما هي الحلول التي قدمها الدكتور ماغارينوس لهذه المعضلة ؟!
الحل في نظره يتمثل في التصنيع على اختلاف حجمه ونوعيته ، حيث يؤكد على أهمية التصنيع في تحقيق التنمية المستديمة في البلدان النامية والأقل نمواً في العالم ، فالتصنيع والتوسع في إنشاء المصانع المنتجة تمثل مراكز للعمل والإنتاج وتنعكس على التنمية الاقتصادية بشكل شامل ، كما أن منتجات الأسر والأفراد تدخل في إطار المفهوم الشامل للتصنيع.
ولاشك أن محاربة الفقر تعد مسؤولية الجميع في المجتمع أي مجتمع ، والتصدي له ينبغي أن يتم من خلال عمل متكامل لقطاعات ومؤسسات المجتمع الحكومية والخاصة.
وفي الوقت الذي نسلم فيه بأن الفقر موجود منذ وجد الإنسان الذي ظل في معركة مع تداعياته منذ القدم ، وأنه موجود في كل زمان ومكان ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال : (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لو كان الفقر رجلاً لقتلته).
إلا أن الحاجة الماسة إلى محاربته وفق منهجية مدروسة يعد أمراً في غاية الأهمية ، وذلك بان يتم من خلال سياسات وبرامج ورؤية عملية وموضوعية ،
ومع التسليم بأن القضاء على الفقر يعد من المستحيلات ، إلا أن الحد من انتشاره وتضييق نطاقه وتقليل أعداد الفقراء إلى أقصى عدد ممكن يظل هدفاً حيويا للأمم وتحدياً كبيراً للدول ، في ذلك يقول الأستاذ وهيب بن زقر : (ان أمن واستقرار هذه البلاد يرتبط ارتباطاً مباشراً بتقوية اقتصادها وإسعاد مواطنيها من توفير عمل منتج ، ينتشلهم من الفقر الذي عليه بعضهم ويشغلهم عن أقران السوء الذي يستغلون البطالة التي يعيشونها لمعصية أو أضرار. والاهتمام بهذه الهموم له أولوية السبق على الاهتمام بالنظم التي قد تحصر جل همها في محاكاة انماط وإمكانيات اقتصاديات الدول الصناعية الغربية ، وتظل أهم خطوة لمواجهة الفقر كما قال الدكتور محمد يونس صاحب تجربة بنك جرامين النموذجية لمعالجة الفقر في بنغلاديش ، تتمثل في إيجاد الوظائف للفقراء ومنحهم قروضا لاكتساب الدخل ، إن بإمكان الفقراء الخروج بأنفسهم من دائرة الفقر إذا ما هيأنا لهم الفرص نفسها التي هيأناها للآخرين.
* وتعد برامج (الأسر المنتجة) المتمثلة في دعم الأسر وتحويلها إلى أسر منتجة ، من أبرز المنهجيات المعتمدة علماً وعملاً لمعالجة الفقر وأكثرها فعالية ، ورغم ان البنك الدولي وعلى لسان خبيره (ستيفن كومنيسن) كشف عن فشل العالم في تخفيض حدة الفقر ، وأن العالم لم يفِ بأهدافه لخفض الفقر بحلول عام 2015م ، ما لم يكثف التزاماته لتقديم الخدمات الصحية والتعليمية للسكان الأكثر فقراً ، وقال : ان الأهداف التي تم الاتفاق عليها قبل أربعة أعوام والتي من المفترض تحقيقها في غضون 11 عاما ، أصبحت تبدو بعيدة المنال بالفعل ، مضيفا أن أهداف تنمية الألفية للتعليم والصحة لن تتحقق لأن النمو الاقتصادي لن يقدم الحل.
* إلا أن الدكتور محمد يونس قال : بمقدرونا القيام بما هو أكثر من خفض عدد الذين يعيشون في فقر مدقع في العالم إلى النصف بحلول عام 2015م ، وذلك من خلال توسيع تطبيق برامج الأسر المنتجة.
* ولا ريب أن الاهتمام المباشر الذي يوليه سمو ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز لمعالجة الفقر في المملكة سوف يؤدي - بمشيئة الله تعالى - إلى تفعيل دور الصندوق الخيري لمعالجة الفقر ، والانطلاق بمنهجية مكافحة الفقر من خلال برامج الأسر المنتجة ، ذلك أن دعم القيادة يظل أساسياً في نجاح هذه الجهود.
ولم يجانب الدكتور محمد يونس الحقيقة حين قال : (ان أي تأخير لن يفيد إلا في إضافة المزيد من المعاناة والحرمان لكثير من الأسر ، معتبراً بداية برامج صندوق عبد اللطيف جميل للأسر المنتجة بداية مشجعة إلى درجة كبيرة ، تبعث الأمل على أن قطار الأسر المنتجة قد بدأ التحرك وسوف يأخذنا - بإذن الله - إلى محطة الكفاية الاقتصادية).
www.dr-abdaleahsaaty.com |