ظهرت مراكز متخصصة بالدراسات الاستراتيجية تهتم فقط بشؤون الشرق الأوسط، وطرح بين الحين والآخر مشاريع اقتصادية وإصلاحية كطرق جديدة للتدخل في شؤون دول الشرق الأوسط والذي تريده الإدارة الأمريكية كبيراً الآن ليتسع لوجود إسرائيل ومنحها حصة واسعة من المكاسب التي يجنيها الوجود الأمريكي منه.. وهذه المراكز ذات تأثير وتوجه مؤيد لحركة اللوبي الصهيوني المسيطر على الدوائر التي تصنع القرار السياسي والاقتصادي في الإدارة الأمريكية.
وأخذت هذه المراكز الاستراتيجية تصدر مشاريع خاصة ذات الوجه الاقتصادي والإصلاحي بحجة القضاء على الفقر والإصلاح الإداري ووصف بعض دول الشرق الأوسط بالتخلف الثقافي والسياسي، وإسرائيل وحدها هي الدولة المميزة في الشرق التي تمارس الحياة الديمقراطية حيث تعتمد الخطط الاقتصادية لإصلاح المجتمع الإسرائيلي والذي أصبح متقدماً صناعياً وزراعياً وتستخدم تكنولوجيا متقدمة جدا لتكون هي المحور في مشروع الشرق الأوسط الكبير وجناحيه تركيا من الغرب وباكستان من الشرق، والدول العربية داخل هذا السور الكبير تسير مصالحها الاقتصادية ضمن المؤشر الإسرائيلي (الوكيل المعتمد للإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط كبيراً كان أم صغيراً).. وتتمادى هذه المراكز الصهيونية القريبة من التطرف اليميني الأمريكي بالتدخل بالشؤون الثقافية والتعليمية في بعض الدول العربية، وتطالب بالإصلاح، ناسية أو متناسية أن هناك مناطق أخرى في العالم تحتاج لمديد المساعدة لإنقاذها من الفقر والمرض كقارة افريقيا بأسرها طبعاً ما عدا إقليم دارفور السوداني الذي اصبح وبصورة مفاجئة محور اهتمام العالم الحر بأسره، وأن السودان لابد أن يعاقب دولياً لاتباع التمييز العرقي ومخالفة حقوق الإنسان ومحاولة إبادة شعب إقليم دارفور!! ودائماً الفيتو الأمريكي ضد أي قرار دولي يدين دويلة إسرائيل لانتهاكها كل القوانين الدولية لإبادتها شعب فلسطين منذ مذبحة صبرا وشاتيلا حتى حمامات الدم التي يمارسها اليوم بوحشية مرتزقة شارون ضد الشعب العربي المغتصب ترابه وحريته ومستقبله الضائع بين ملفات الخداع الصهيوني ومشاريعها الاستيطانية، والتي تهدف الى القضاء التام على مشروع الدولة الفلسطينية وبقاء السيطرة الإسرائيلية على كافة أراضي وبلدات الضفة الغربية. وما مشروع شارون بفك الارتباط عن منطقة غزة أولا إلا مسرحية درامية تنتهي بتصفية كافة القوى المجاهدة في فلسطين وبقاء نفوذ إسرائيل الكبرى على كافة دول المنطقة المحيطة بها.
وقد تلاقت فكرة شيمون بيريز زعيم حزب العمل الإسرائيلي حين تفسيره لمعنى إسرائيل الكبرى، حيث قال (إن إسرائيل تواجه خياراً حاداً.. إما أن تكون إسرائيل كبرى اعتمادا على عدد الفلسطينيين الذين تحت سلطتها أو اعتمادا على حجم السوق التي تتحكم بحركته مقابل التكتلات الاقتصادية العالمية). وانطلاقا من هذا الفكر الصهيوني التوسعي أنتجت أفران التخطيط الاستراتيجي في نيويورك مشروع (الشرق الاوسط الكبير) ليتسع جغرافياً لكل المنطقة العربية والإسلامية بدءا من تركيا ومروراً بكافة الدول العربية الافريقية الموقع أو في آسيا حتى باكستان، ويصبح محورها المحرك تل أبيب سياسياً واقتصادياً!! وتذوب الجامعة العربية وميثاقها ومنظمة العالم الإسلامي في بوتقة نار الشرق الأوسط الكبير.
وجاء التقارب التركي الإسرائيلي كمرحلة أولى لهذا المشروع الذي سيشمل كافة دول الشرق الأوسط التي لها تحالفات سياسية واقتصادية مع القطب الدولي الواحد المتمثل بكتلة اليمين المتطرف المسيطر على القرار السياسي الأمريكي والموجه لحركة القوى في البنتاجون والدبلوماسية الأمريكية.. وكل هذه القوى المختلفة التسميات تجتمع وتتفق من أجل تحقيق مصلحة إسرائيل السياسية والاقتصادية بعد أن تم تمهيد الطريق لها بالتغلغل الاقتصادي والسياسي في العالم العربي. وفي مراجعة التاريخ السياسي لمنطقة الشرق الأوسط نلاحظ مشاريع استعمارية سابقة تم تنفيذها وعرضها على دول المنطقة من أجل مصلحة الدول الأوربية وأمريكا ولمواجهة زحف القوى الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفييتي المندثر، فظهر حلف بغداد ليربط باكستان وايران والعراق بتركيا تحت إشراف وتوجيه بريطانيا وأمريكا آنذاك، والذي تحول الى حلف السنتو بعد رفض العراق الاستمرار بعضويته إثر اندلاع انقلاب 14تموز العسكري في بغداد.. وتعددت المشاريع التي تحمل وجها اقتصاديا إصلاحيا وهدفها الخفي هو الاعتراف بالوجود الإسرائيلي ومنحه الفرصة للمساهمة في كسب منافع اقتصادية على حساب المصالح العربية، ومن أشهرها مشروع روجرز الأمريكي الذي يعتبر البذرة الأولى لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تقدمه أمريكا في الوقت الحاضر ليضم كافة الدول الإسلامية والعربية وإسرائيل والتي ستكون الممثل الشخصي للإدارة الأمريكية في شرقنا الأوسط!
كما أن الأطماع الإسرائيلية لا حدود لها وتهدف بصورة سريعة للتسلل لاقتصاديات الدول العربية الإسلامية بعد ان حققت هدف الوجود السياسي وبصورة فعالة وقوية في المنطقة إثر تفتيتها لكافة مراكز القوة في العالم العربي منذ إعلان كامب ديفيد.. وأخيرا خارطة الطريق الذي مهدته الدبلوماسية الأمريكية لإسرائيل لاحتلال الضفة الغربية وغزة وسفك الدم العربي الرخيص بدعم الفيتو الأمريكي الدائم على أي قرار (يزعج) القوات الإسرائيلية المنتهكة لكل مواد القانون الدولي وبصورة لا إنسانية وعلى مرأى العالم اجمع بتحدٍ استفزازي لم تعرفه كأسلوب وحشي جيوش هولاكو أو هتلر النازي.
إن العالم الذي نعيشه اليوم عالم تجمعات وتكتلات اقتصادية تتحول إلى مراكز سياسية، ووطننا العربي ومن ثم العالم الإسلامي يشكلان وحدة اقتصادية متكاملة بحكم جغرافيته الخاصة، تحيطه منطقة بحرية مهمة ومؤثرة في حركة التجارة الدولية، ناهيك عن الأهمية الاستراتيجية للمضائق المائية بين البحار العليا مثل قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز.. وقد تكون مصادر الطاقة المتركزة بين رمال وجبال منطقتنا العربية لهي ميزة اقتصادية منحها الله سبحانه لشعوب أمتنا العربية والإسلامية لمواجهة التحكم الصناعي للدول المتقدمة، ولابد من إدراك حقيقة قد تكون مُرّة، وهي: بعد نضوب ما تختزنه أرضنا من هبة الرحمن سبحانه لنا ولأجيالنا القادمة إن لم ندرك وبصورة منظمة كيفية التعامل مع هذه السلعة المصيرية دون تفريط بحصة أجيالنا القادمة والتي ستحاسبنا إن لم نخطط لها مشاريع طويلة الأمد تستوعب الفائض من قيمة المنتج فعلاً من الطاقة المستهلكة والمباعة حالياً في السوق الصناعية العالمية، ولا أدري سببا معقولاً لان نخشى أو نتردد من طرح مشاريعنا الاقتصادية كالسوق العربية المشتركة أو الوحدة الاقتصادية الإسلامية، ونزمر لمشاريع مستوردة قد تفرض علينا إن لم نبادر بإعلان ما لدينا من تكتلات اقتصادية وسياسية تخدم مصالح شعوبنا وتحيط دولنا بمنطقة قوية ضد كل رياح التدخل في شؤننا الداخلية.. إنني لا أدعي علما جديداً عندما أقول بان مفكري الاقتصاد العرب قد قدموا مشروعا متكاملاً لإنشاء السوق العربية المشتركة قبل أن تفكر أوربا بمثل هذا التوحد الاقتصادي بأعوام طويلة.. ففي عام 1950م عرضت بحوث ودراسات اقتصادية لإنشاء مشروع هذه السوق وأسس التكامل الاقتصادي العربي، وبعد اثنى عشر عاماً من الجدل والنقاش البيزنطي انبثق مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في صيف عام 1962م والذي ولد كسيحا وبقي تعلوه أنسجة العنكبوت من الخلافات العربية المشتركة في أروقة جامعتنا العربية متأرجحة بين تونس والقاهرة.
إن الامة العربية والإسلامية لتدرك جيدا ان عصر العولمة الذي نعيشه في عهدنا هذا وتسلط القوة احادية المركز يحتم علينا تنظيم اقتصادياتنا بتكتل موحد لنقف أقوياء في وجه العواصف العاتية القادمة من الشمال الصناعي الموحد المرتبط بخطط استراتيجية سياسية واقتصادية مع القوى الصهيونية التي تهدف لتطويق عالمنا العربي والإسلامي بسور هذا المشروع الصهيوني والتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي لمستقبل أجيالنا القادمة!
|