أظلنا شهر عظيم ، ووافد كريم ، اختص الله تعالى به هذه الأمة ، بما جعل الله تعالى فيه من موجبات المغفرة وأساليب دخول الجنة ، قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } ، وهو شهر أوله رحمه ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ، والله يخلق ما يشاء ويختار.
لقد تلقى المسلمون من نبيهم المصطفى ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، من الله تبارك وتعالى ، أن شهر رمضان موسم للمؤمنين مع رب العالمين ، فهو شهر يضاعف الله فيه العمل وتضاعف فيه الأجور فضلاً من الله عز وجل ، وتعظم فيه المنح الربانية والأعطيات الإلهية يجتمع للمؤمن فيه شرف الزمان وشرف العبادة ووقت الجود الخاص من رب المعبود.
لقد تواترت الأخبار ، واشتهرت الآثار بفضائل هذا الشهر ، وهي باقية لهذه الأمة الإسلامية ما بقى الدهر ، ففي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين) وفي ذلكم تنبيه على ما جعل الله تعالى في هذا الشهر من توفر أسباب الرحمة وتضييق وسائل دخول النار ، وإعانة الصالحين على الإخلاص لرب العالمين والفوز بالمتجر الرابح على العمل الصالح ، والإعانة على ترك القبائح.
ومما شاع وذاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : ( أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة من الأمم من قبلها : خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ، ويزين الله كل يوم جنته ويقول : ( يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى) ، وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا إليه في غيره ، ويغفر لهم من آخر ليلة) إلى آخر الحديث.
ولما أختص الله تعالى به هذا الشهر من الفضائل العظيمة والأجور الكثيرة ، والمنح الإلهية الكريمة كان السلف الصالح يستقبلون هذا الشهر بالترحاب والسرور والاغتباط ، وترقب دخوله لينال أحدهم بغيته ومأموله وكان نبيهم - صلى الله عليه وسلم - يبشرهم بقدومه ويبين لهم جزء من خصائصه ورسومه.
فيقول : ( أظلكم شهر كريم) ويعد لهم مهمات من خصائصه ومعالم بركته ، وكان المسلمون يتحرون دخوله ويحتسبون في ترائي هلاله ، ولا يصومونه إلا بيقين دخوله إما برؤية الهلال ، أو بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما بلا نقص ولا إخلال.
وكان السلف الصالح يحتسبون صيام أيامه وقيام لياليه ، ويتنافسون في خصال البر والخير فيه ، فيجتهدون في إحسان صالح العمل ، ويحذرون موجبات النقص والخلل ، فيغتبطون بالصيام ، ويتلذذون بالقيام ، ويجودون بالخير ، ويحذرون الشر فكانوا في جهاد واجتهاد ، يؤدون الفرائض محتسبين ، ويتركون المحرمات خائفين وجلين ، ويسارعون في الخيرات وإلى المغفرة والجنات ، صادقين مخلصين ، ويجبرون نقص الهمل بكثرة الدعاء والاستغفار والذكر لله عز وجل.
( * ) الرياض |