إذا كانت أمية القراءة والكتابة هي أحد أضلاع المثلث المرعب الذي تسعى الدول والمجتمعات لمواجهته، والذي يتكون من ثلاثة أضلاع هي: الجهل، والفقر والمرض، فإن تفشي الأمية الدينية هو الأخطر والأكثر رعباً.
وما نقصده بالأمية الدينية ليس الجهل بأمور الفقه، والمسائل الفقهية والعقائدية الدقيقة، لكن الجهل بقواعد الدين، ومفردات العبادات والمعاملات اليومية، فهل يعقل أن نجد طالبا جامعيا لا يجيد الوضوء على الصورة الصحيحة أو معلما يجهل أمور العبادات ومتى يكون سجود السهو؟ وآخرون من المتعلمين لا يعرفون كيفية أداء صلاة الجنازة، أو متى يتم جمع وقصر الصلاة، بل إن كثيرين لا يعرفون مبطلات الصوم، أو المستحقين للزكاة، وكذا مثقف تمر عليه الشهور وربما الأعوام وهو لم يختم القرآن، ولم يعطه حظه من العناية والتدبر.
وعلى الرغم من وجود صحوة دينية، وما تزخر به بلادنا من علماء، يحق لنا أن نفخر بهم، إلا أن هذه الأمية الدينية ما زالت تتفشى، وتخترق حتى شرائح المعلمين، وما أكثر ما نرى ونسمع من بعض حملة الشهادات العليا، وهم يخطئون في قراءة بعض آيات القرآن الكريم، ولا يعرفون رأي الشرع في مسائل فقهية بسيطة.
ولا يمكن اعتبار هذه الأمية الدينية مرادفا للجهل أو قلة العلم، لأنها موجودة بين المتعلمين وغير المتعلمين، بين الأغنياء والفقراء، وفي جميع أوساط وفئات المجتمع بلا استثناء. على الرغم من جهود العلماء والدعاة في التعريف بصحيح الدين في أمور العبادات والمعاملات وكل ما يلزم المسلم لأداء التكاليف الشرعية على الوجه الصحيح، وهي جهود ملموسة ومشكورة، لكنها ما زالت غير قادرة على محاصرة هذه الأمية الدينية، ولا سيما مع انشغال كثير من الأبناء والآباء على حد سواء بعلوم العصر من كيمياء وفيزياء وحاسبات ومعلومات، على حساب العلوم الشرعية، حتى أن كثيرا من الأبناء يجيدون استخدام الحاسب بمهارة فائقة لكنهم لا يجيدون الصلاة كما ينبغي، تراهم يعرفون أسماء لاعبي الكرة بدرجة أكبر من معرفة أسماء الصحابة، والرموز العظيمة في التاريخ الإسلامي. وأذكر أن أحد الدعاة روى ذات مرة أنه طرح سؤالا عن أسماء العشرة المبشرين بالجنة على أكثر من عشرين طالبا في جميع مراحل التعليم، فلم يستطيعوا التوصل للإجابة الصحيحة!!
إن مثل هذا الوضع من تزايد وتفشي الأمية الدينية هو الأرض الخصبة التي تنمو فيها كل الأمراض والانحرافات، فالجاهل بتعاليم دينه أكثر عرضة للسقوط في الإثم، والانسياق وراء أي دعاوى دون القدرة على تمييز الخطأ من الصواب، والحرام من الحلال.
ومن هنا تأتي أهمية الاتصال بالعلماء ومجالستهم وحضور دروسهم، واقتناء أشرطة شروحهم، وأن تكون الأبواب مشرعة من قبل العلماء، وفتح قلوبهم وعقولهم للشباب وعموم المسلمين، ليبددوا ظلام هذه الأمية قبل أن يستفحل خطرها، وكثير من علمائنا -والحمد لله- يقومون بهذا الدور على أكمل وجه، إلا أن البعض قد لا يشعرون بخطر هذه الأمية الدينية، ولا يدركون عواقبها الوخيمة، لأن الجاهل بالدين قد يسيء إليه من حيث يريد أن يحسن، أو يرتكب الذنب من حيث يروم الطاعة.. لذا فإننا جميعا بحاجة إلى مواجهة الأمية الدينية، ربما بدرجة أولى من مواجهة أمية القراءة والكتابة.
|