Friday 22nd October,200411712العددالجمعة 8 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الاقتصادية"

التقسيط.. دراسة الحال.. والحلول التقسيط.. دراسة الحال.. والحلول
مفلح عبد العزيز الدرع

شقاق ونزاع.. خلاف وصراع.. أسرٌ تفترق..وعوائل تختلف.. حتى الإخوة الأشقاء.. والأقارب والأصدقاء. هذه الوصائل وتلك الوشائج أصبحت في مهب الريح.. كل ذلك بسبب التقسيط المميت.. الذي ينشب أظفاره في حلق المدين؛ مما ساهم وبشكل مباشر في خلق أُسر ينهشها الفقر والفاقة.. وعطش الحاجة.. ولا يخفى على ذي لب ما يتبع ذلك من أثر سلبي يمسُّ النواحي الأمنية والاجتماعية، وحسبي بها أهمية.. ناهيك عن أثره السلبي على اقتصادنا الوطني والضغط على حسابنا التجاري والنقدي.
التقسيط هذا الوحش الكاسر.. الذي أصبح أرضاً خصبة للثراء الفاحش والسريع.. دون ضوابط وحدود.. فللدائن أن يبيع ما يشاء.. كيف يشاء، وبأي مرابحة يختارها.. وأي شروط يبتكرها، كل ذلك على حساب المواطن البسيط المحتاج إلى حلول لسداد ثغرات ضرورية أو كمالية، فوجد مَن يستغله أفضل استغلال في ظل عمى البصيرة عن الواجبات والحقوق، والولع بالمادة ولعاً شديداً، والفوضى التجارية السائدة.
لقد ساهم كثير من هذه المبايعات في هدم سعادة كثير من الأُسر، وتكبيل مستقبل الكثير من الشباب الذين يقعون ضحية هذا الجشع من الدائنين وضعف الإدراك وتقدير الحاجة من أنفسهم، وهذا ما أفرز الكثير من الأسر الفقيرة. وقد أشار لذلك معالي وزير الشؤون الاجتماعية د. علي النملة؛ حيث أناط بشركات التقسيط المساهمة في تفشي ظاهرة الفقر(1).
ولإضفاء مزيد من المصداقية على حجم الكارثة أسوق ما توصَّل إليه الباحث الاقتصادي عبد المجيد عبد الرحمن الفايز من أن حجم قروض الأفراد يعادل 70% من رواتب الموظفين في الدولة لمدة عام!! فيما بلغ حجم القروض الاستهلاكية التي تم إقراضها للسعوديين عن طريق البنوك التجارية فقط 50 ملياراً و48 مليون ريال خلال العام الماضي. 31% من المقترضين لجأوا للقروض بغرض شراء سيارة، في مقابل 23% لشراء منزل، في حين شكَّل المقترضون من شركات التقسيط 25%، فيما بلغت نسبة الاقتراض من مصادر أخرى 8%. وأبانت الدراسة أن 46% منهم يستهلك القسط الشهري نصف رواتبهم، ويلقي 56% من المقترضين باللائمة على الأقساط؛ لأنها أثَّرت في حياتهم، ويرفض 63% إعادة تجربة الأقساط بعد التسديد، بينما يرى 37% أنهم لم يتمكنوا من التخلص من الأقساط حتى بعد سدادهم للأقساط الحالية.
وأوضحت الدراسة أن أحد أسباب تأثير القروض على الحياة المعيشية هو التزام المقترضين بسداد أكثر من قرض في وقت واحد. وقدَّرت الدراسة إجمالي حجم سوق القروض الاستهلاكية في المملكة بين 68 - 72 مليار ريال في الوقت الراهن، وهو ما يعادل 70% من إجمالي رواتب الموظفين في الدولة خلال عام كامل(2).
أرقام مهولة تمثل حجم الكارثة التي تساهم في دفع عجلة التنمية للوراء وبخطى واسعة، أرقام تحتاج للتأمل والدراسة، وأن تُؤخذ بعين الاعتبار، وأن تطرح للنقاش في دوائر صُنع القرار؛ لوضع حدٍّ لهذا النزيف الذي يقضُّ مضاجع الجميع.
وقد أكَّد المستشار في مكتب الفصل في المنازعات التجارية بفرع وزارة التجارة والصناعة في جدة إسماعيل الصيدلاني ارتفاع عدد قضايا المنازعات الواردة للمكتب في مجال الشيكات والكمبيالات العائدة إلى أفراد وشركات بسبب اتساع نشاط البيع بالأقساط، وتعامل الكثيرين من مقدِّمي الخدمات بمبدأ التقسيط خلال الفترة الماضية. وأضاف أن المكتب تلقَّى خلال العام الماضي 7600 قضية من شركات تجارية وخدمية معروفة بنشاطها المعتمد على التقسيط في مدينة جدة فقط(3).
ونقل د. زيد الرماني عن إحدى الصحف التي قام مندوبها بجولة في مدينة الرياض على شركات التقسيط؛ حيث حصل على مجموع نتائج، منها:
1- 50% من السكان دون الثلاثين من المقبلين وبشكل مكثَّف على التقسيط.
2- يبلغ حجم الطلبات على التقسيط ما مجموعه ألف طلب شهرياً لدى شركات التقسيط بالرياض فقط.
3- 95% من المتقدمين بطلبات التقسيط من موظفي الدولة.
لا أظن أنني بحاجة لمزيد من الإحصاءات التي تدلُّ على أن ظاهرة التقسيط تفشَّت في كل بيت، وتنامت بشكل مدهش، وشملت جميع السلع، حتى أصبح نصف المجتمع دائناً، والنصف الآخر مديناً، وانكشفت أكذوبة (التقسيط المريح) و(اتَّصل لتحقيق حلمك)، و(فرصة لن تكرَّر)، وغيرها من العبارات الجذابة، والشعارات الخادعة، التي تسقط العميل في الفخ والشَّرَك الذي نُصب له، ولا يعلم المسكين أن البيع بالتقسيط أغلى من البيع النقدي وأخطر على ميزانيته ومستقبله، وأنه وإن حل مشكلةً فقد خلق أكواماً من المشاكل غير القابلة للحلول.
ولي عدة وقفات علاجية لاقتلاع الأسباب الكامنة وراء هذه الإفرازات السلبية، وإن كانت مؤلمة إلا أن مصلحة الوطن والمواطن فوق أي اعتبار، منها:
1- إلزام البنوك وشركات التقسيط بنسب مرابحة مقبولة، والقضاء على هذه التفاوت الكبير في الأرباح بين البنوك وشركات التقسيط، وإلغاء تراكمية الأرباح، بحيث تُحسب المرابحة على كل مبلغ متبق فقط. وقد قرَّر مجلس مجمع الفقه الإسلامي أن لولي الأمر التدخل بتحديد نسب معينة للربح إذا وجد خللاً واضحاً في السوق والأسعار؛ كالغلاء والغبن الفاحش؛ لأن ذلك يخالف ما تقضي به الآداب الشرعية من الرفق والقناعة والسماحة والتيسير(4). وقد بلغ طمع بعض الشركات والأفراد شأناً عظيماً، ذلك بوصول نسب المرابحة إلى30% في السنة الواحدة!! ولهم زبائنهم.. فلكل ساقطة لاقطة!!
2- إلغاء شرط الكفالة الغرمية الذي عادةً ما تطالب به الشركات بدعوى ضمان حقها، وحقيقة الأمر أن ذلك ساهم وبشكل كبير في منازعات ومفارقات عجيبة، ذلك أن الشركات تبحث عن أهمية الكفيل وموقعه المالي والوظيفي أكثر من اهتمامها بالمشتري؛ حيث تسهل مطالبته وإقامة الدعوى عليه حال تأخر المدين عن السداد، وبإلغاء الكفالة يتحقق أن تهتم الشركة بالعميل ونوعيته وتوخِّي صدقه ومقدرته على السداد، ولا تخلق إشكالاً مع آخرين.
3- تطوير مركز تبادل المعلومات للمستفيدين من التقسيط، بحيث يشمل جميع شركات التقسيط والأفراد الدائنين وإلزامهم بعدم تميكن المستفيد من مكان آخر بالحصول على أي قرض، ومعاقبة مَن يتجاوز ذلك منهم.
4- تشكيل لجنة في الغرفة التجارية الصناعية لإعداد عقد موحَّد مُلزِم للبنوك والشركات، والاطلاع على ملف كل عميل، وإصدار الموافقة عليه من عدمه، بحيث يُراعى في ذلك حاجة العميل ومقدرته على السداد ونسبة المرابحة ونحو ذلك.
5- التوعية بخطر التقسيط وآثاره السلبية الحاضرة والمستقبلية على الفرد والأسرة والمجتمع، وأنه وحش بوجه صديق، وأنه لا يتم اللجوء إليه إلا عند الحاجة الملحة لذلك، وأن تكون البنوك والشركات من مراكز هذه التوعية.
أما عالم تقسيط السيارات في معارض السيارات فعالم عجيب مليء بالمناورات والانفعالات، طمع بلغ عنان السماء، أرباح مهولة وأرقام كبيرة، دائنون يتولون البحث عن الغارقين في متاهات الديون، ومَن يتعذر قبولهم لدى البنوك وشركات التقسيط، حتى الوافدين، ويرتبطون معهم بمبايعات بنسب مرتفعة جداً تبلغ 50% في السنة الواحدة. إنها (فوضى المداينات). وللمهتمين بهذا الأمر زيارة السجون، وقضاة المحاكم الشرعية، والحقوق المدنية، للوقوف على حجم المسألة، وجسامة القضية، وحيث إن نظام التقسيط يدرس الآن عبر أروقة مجلس الشورى فكلي رجاء أن يحقق ما ترجوه الأمة من خير، وأن تُراعى فيه المصلحة العامة، مصلحة الوطن والمواطن، وأن يرسم الدواء الناجح للحد من هذه الظاهرة السلبية، وأن تقنَّن جيداً بحيث لا يستفيد منها إلا مَن هو محتاج وقادر على السداد، وأن يخفض الحد الأعلى لحسم القسط الشهري من مجموع الراتب بحيث لا يتجاوز 30%.
وأسوق هنا نصيحة مهمة للدائنين والمدينين من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله؛ حيث يقول: نصيحتي لإخواني من التجار والمستهلكين أن يتقوا الله في السر والعلن، وأن يراقبوه في جميع معاملاتهم، وأن يتحروا الصدق والأمانة في بيعهم وشرائهم، وأن يجتنبوا الكذب والخيانة وجميع المعاملات والعقود التي تخالف الشريعة المطهرة، وأوصي التجار بأن يتقوا الله في المتعاملين معهم من المحتاجين لهذا البيع المؤجل، وذلك بالرفق بهم في تعاملهم معهم بعدم رفع قيمة البضاعة رفعاً مرهقاً أو بالقسوة والشدة عند الاقتضاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ على السماحة في البيع والشراء والقضاء والاقتضاء، فقال: (خيار الناس أحسنهم قضاءً)(5).
ولا يفوتني هنا الإشادة بوقفات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- أمير منطقة الرياض ورئيس لجنة السداد عن المعسرين مع الموقوفين ضحية مثل هذه المبايعات ولمساته الإيجابية عليهم وذويهم ومساهمته المباشرة في سداد ديونهم وقضاء حوائجهم، جعل الله تعالى ذلك في ميزان حسناته والعاملين معه، والله الموفق.
الهوامش:
(1) جريدة الجزيرة، الصفحة الأخيرة، العدد الصادر بتاريخ 26- 5-1425هـ.
(2) جريدة عكاظ، العدد 13838 في 28-5-1425هـ.
(3) جريدة الوطن، العدد 1387 في 29-5-1425هـ.
(4) مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد الثاني - السنة الأولى ص197 - 180
(5) مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، الجزء 19، ص 24


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved