* تونس - من موفد الجزيرة- جاسر الجاسر:
ما أن تطأ قدماك أرض تونس حتى تشعر بأن شيئين يهتم بهما التونسيون هذه الأيام، الالتزام التام بتأدية شعيرة الصيام، فالشارع التونسي يعيش أجواء روحانية تضفي بظلالها على شخصيته التونسية التي هي بدورها شخصية مسالمة محبة هادئة، فيزيدها الصيام هدوءاً وراحة نفسية تنتقل للزائرين ومنهم عدد كبير من الصحفيين العرب والدوليين والمراقبين الذين حضروا إلى تونس لتغطية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تشكل الاهتمام الأبرز هذه الأيام في تونس بعد إعلان المجلس الدستوري صحة ملفات المرشحين للرئاسة وهم:
- الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية.
- السيد محمد بوشيحة الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية.
- السيد منير الباجي رئيس الحزب الاجتماعي التحرري.
- السيد محمد علي حلواني عضو المكتب السياسي لحركة التجديد.
أما المشاركون في الانتخابات التشريعية فهم أكثر من 1000 مترشح ينتمون إلى 7 أحزاب (التجمع الدستوري الديمقراطي، حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، حركة التجديد، حزب الوحدة الشعبية، الحزب الاجتماعي التحرري والحزب الديمقراطي التقدمي). وذلك بالإضافة إلى القائمات المستقلة.
* تتنافس القائمات على 189 مقعدا برلمانيا بما فيها 37 مقعدا تخصص للقائمات التي لا تتحصل على الأغلبية. (ارتفع عدد مقاعد المعارضة في البرلمان خلال انتخابات 1999 إلى 34 مقعدا من ضمن 182 مقعدا بعدما كان عددها لا يتجاوز 19 مقعدا من ضمن 163 مقعدا عام 1994. وقد تمكنت المعارضة من تعزيز تواجدها في البرلمان نتيجة الإصلاحات التي تم إدخالها على القانون الانتخابي).
* تمثل المرأة 25 بالمائة من مترشحي التجمع الدستوري الديمقراطي (حزب الأغلبة في البرلمان) للانتخابات التشريعية. كما أن قائمات مترشحي التجمع الدستوري الديمقراطي لا تتضمن لأول مرة من تاريخ تونس المستقلة أي عضو من أعضاء الحكومة.
(سير العملية الانتخابية)
* لأول مرة يتم إحداث مرصد وطني للانتخابات لمراقبة سير الانتخابات ويضم مجموعة من الشخصيات المعروفة باستقلاليتها.
* المجلس الدستوري يمارس لأول مرة مهامه بخصوص المصادقة على صحة ملفات المترشحين لرئاسة الجمهورية ونتائج الانتخابات.
* الملاحظون الأجانب سوف يحضرون الانتخابات ويتابعون سير العملية الانتخابية.
* الإصلاحات التي أدخلت على القانون الانتخابي عام 2002 جاءت لتضمن شفافية عملية الاقتراع وتيسير تسجيل الناخبين.وقد تم في هذا الإطار تسجيل 1.3مليون ناخب إضافي منذ دخول هذه الإصلاحات حيز التنفيذ.
* يبلغ عدد الناخبين حوالي 4.700.000 ناخب وناخبة من مجموع عدد سكان تونس الذي يبلغ نحو 10.000.000 نسمة.
* ينص القانون على أن تخصص لكل مترشح لرئاسة الجمهورية منحة بعنوان مساعدة على تمويل الحملة. كما تخصص لكل قائمة مترشحين لمجلس النواب (البرلمان) منحة بعنوان مساعدة على تمويل الحملة.
* يتمتع المترشحون للانتخابات على حظوظ متساوية في التحدث للناخبين عبر الإذاعة والتلفزة الوطنية خلال الحملة الانتخابية (من 10 إلى 22 أكتوبر).
الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس تكريس للبناء التعددي والديمقراطي
تمثل انتخابات 24 أكتوبر 2004 في تونس وهي أول اقتراع رئاسي وتشريعي تعيشه البلاد في هذه الألفية الثالثة محطة مهمة في مسار تعميق التجربة الديمقراطية التعددية في هذا البلد العربي المسكون.. قيادةً ونخباً وشعباً.. بهاجس الإضافة.. والمشغول عن إرادة وإدراك بأسئلة الحداثة الاجتماعية.. ترجمانا لطموح لا يفتر لدعم مكانته وحضوره كبلد صاعد لا فقط بحساب الاقتصاد ومؤشراته وإنما أيضاً بحساب التطور السياسي وعناوينه المعروفة المتعارفة.
وتأسيسا على هذه الأبعاد فإن هذا الموعد الانتخابي يتخطى في نظر المسؤولين السياسيين التونسيين وكثير من المتتبعين والملاحظين للشأن التونسي عامة ولعملية البناء السياسي بها على وجه الخصوص كونه حلقة جديدة في رزنامة المحطات الانتخابية الوطنية منتظمة الدورية ليشكل تتويجا لما راكمته تونس من إصلاحات تشريعية وسياسة متعددة متنوعة ومنطلقا لطور جديد في مسيرة الإصلاح والتغيير وفي مسار صياغة نموذج ديمقراطي تعددي منصهر ضمن استراتيجية التنمية الشاملة في هذا البلد.
تنمية... الديمقراطية
وبالفعل فقد بوأت تونس قضية تكريس الديمقراطية والتعددية واثراء التشريعات الضامنة لحقوق الإنسان والحريات منزلة الفعل التنموي في شمولية أبعاده.. وهذه رؤية نابعة من إيمان الرئيس زين العابدين بن علي بأن التنمية الشاملة تعني أول ما تعني.. النهوض بالإنسان في كل مظاهر حياته وتخليصه من اسر الحاجة والفاقة وتعزيز عوامل رفاهيته وازدهاره من ناحية والعمل على توطيد مقومات كرامته ومواطنته وتفعيل فرص وقنوات مشاركته في تصريف شؤون بلاده من ناحية أخرى.
وقد جسد الرئيس بن علي هذه المقاربة بأن نزل ثنائية (التنمية والديمقراطية) موقع القلب في مسار الإصلاح الوطني منذ تغيير 7 نوفمبر 1987 الذي كرست خياراته وسياساته الحرص على ضمان التلازم بين دعم مؤشرات النماء الاقتصادي والرفاهية الاجتماعي وتطوير الحياة السياسية وتعميق البناء الديمقراطي التعددي.
فالعالم المعاصر ولئن كان يعيش اليوم (على ثنائية شعارين مغربيين) مؤداهما أنه ( لا وجود لتنمية بدون ديمقراطية) كما يقول البعض أو أنه ( لا وجود لديمقراطية في غياب التنمية) مثلما يذهب إلى ذلك البعض الآخر.. فإن تونس قد اعتبرت (هذين البعدين متلازمين ومتكاملين لا أولوية لواحد منهما على الآخر..).
ويتيح استقراء حصيلة مجهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي في تونس على مدى السنوات 17 الماضية تبين هذا التلازم والتكامل بين العمل من أجل الارتقاء بمؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية وتأمين أسباب اقتدار الاقتصاد التونسي على التعاطي مع مقتضيات العولمة واستحقاقاتها من جهة وبين السعي من أجل بناء تجربة ديمقراطية تعددية محصنة ضد عوامل التراجع والانتكاس وإرساء منظومة للحريات وحقوق الإنسان تواكب أحدث مكتسبات البشرية في هذا المجال من جهة أخرى.
وعلى هذا الصعيد يمكن القول بأن حجم المنجز في باب الديمقراطية والتعددية الذي توفر انتخابات 24 أكتوبر فرصة لتلمس مدى أثره العميق في المشهد السياسي التونسي الراهن من حيث ثراء الرؤى والمقاربات وتنوع الحياة السياسية والحزبية.. قد كان بالأساس ثمرة تمش طوعي وخيارات أصيلة ضمن المشروع المجتمعي الذي أعلنه بيان السابع من نوفمبر والذي أكد جدارة الشعب التونسي ب (حياة سياسية متطورة ومنظمة تعتمد بحق تعددية الأحزاب السياسية والتنظيمات الشعبية) تقتضيها ما أدركته هذا الشعب من وعي ونضج يسمحان (لكل أبنائه وفئاته بالمشاركة البناءة في تصريف شؤونه).
وقد كرست ثوابت المشروع السياسي لتحول 7-11-1987 ومبادرات قيادته -التي سارت بنسق تصاعدي ووفقا لمنهج متدرج يرفض القوالب الجاهزة وينأى عن منطق التسرع والارتجال والقفز في المجهول- الوفاء لتطلعات سائر شرائح النخب السياسية والثقافية ومختلف فئات المجتمع التونسي الذي قطع بفضل رهان البلاد على التعليم أشواطاً بعيدة في مجال اكتساب المعارف وقدرا وافيا من الوعي بخصائص واقعه ووقائع عالمه.
|