ورد إليّ خطاب جمع من الكلام أعذبه فآثرت أن يطلع عليه القارئ رغم خصوصيته، راجياً أن ينال الاستحسان دون النظر إلى مبتغى كاتبه، ونصه ما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مانع الأعلاق، وفاتح الأغلاق، حمدا يستنزل الرحمة، ويستكشف الغمة، وسبحان من له في كل قضية ألطاف نعرفها ونثبتها في فضله ونعمته، أو نجهلها فنردها إلى عدله وحكمته، والصلاة والسلام على كاشف الغمة عن الأمة والناطق فيهم بالحكمة، محمد الذي أدى الأمانة مخلصا وصدع بالرسالة مبلغا ملخصا، وعلى آله الطاهرين الأبرار والطيبين الأخيار الذين أذهب عنهم الأرجاس وطهرهم من الأدناس.
سيدي ومولاي، أكتب كتابي هذا والنفس في شدة الانخزال والكمد وفقد الاصطبار والجلد على ما لا يستطاع ذكره فكيف يتحمل ثقله، فهو أمر الله الذي لا يقابل إلا بالرضا والصبر على ما قضى وأمضى، وأعاذكم سيدي من الأسواء وسقى ربعكم غرر الأنواء.
سيدي، بعدما رقّت حاشية حالي ومالت دعامة مالي وحصلتُ بين أنياب الزمن ومخالبه وصُليت بنار حوادثه ونوائبه، جراء ديون تراكمت وذات يد قصرت، استخرت الله في هذه النازلة ودعوته في كل فرض ونافلة حينما سدت كل الأبواب وقلت حيله الأقارب والأحباب، وطبق الحزن بسيطة صدري وأنفق الغم ذخيرة صبري، وجدت نفسي أخط هذا الكتاب فسبحان مسبب الأسباب وهاتف يحضني بإرساله لكم دون غيركم راجياً من الله أن تزول هذه المحنة القاصدة والنكبة الراصدة، وان أخرج من الضيق إلى السعة ومن الانزعاج إلى الدعة، على يدكم وإن ذلك ليس عليكم بعزيز.
فأنتم مخلوقون من طينة كريمة ومجبولون على أحسن شيمة؛ وذلك لما استشعرته فيكم من فيض غمائم كرمكم واستفاضة مآثر جودكم ووقف غوثكم على اللهيف وبدل عونكم للضعيف.
سيدي، أسال الله أن يجد كتابي هذا عينا لامحة ويدا مانحة، وأن يجعل كفة حسناتكم الراجحة، والنجاح مقصور على تدبيركم والصواب على مودتكم متطابقة والشهادات لكم بالفضل متناسقة، وما تهمون بأمر إلا انفتح رتاجه وهان علاجه ولان شديده وقرب بعيده، وأن يدر الله لكم أخلاف الرزق ويمهد لكم أكناف العيش ويؤتيكم أصناف الفضل وأن يجعلكم بين جاه عريض وعيش غريض، وأن يجعل موضعكم من أهل الفضل، موضع الواسطة من العقد، وليل التم من الشهر، كلا بل ليلة القدر إلى مطلع الفجر وأن يرفع الله بمعاليكم أعلام الإسلام ويدفع بمساعيكم صواعق الأيام في ظل راعي دين الله وإمامه ووارث علم رسول الله ومقامه، كافل الأمة وراعيها وسائس المملكة وحاميها خادم الحرمين الشريفين، والمدافع عن سواد الأمة وبياض الدعوة، ما يلجأ له لاجئ إلا سعد ووري زنده ونفذ حده وزاد على يومه غده، الآمر بما أمر والناهي عما حُظر.. ووزع الله منابذيه بين أظفار الدهور وقسم مخالفيه كأعشار الجزور.
البلاد تتزاحم على قصده والفتوح تتسابق إلى يده، حضرته مجمع الفضائل معدنها ومرتع المحامد وموطنها كعبة المحتاج وإن لم يكن كعبة الحجاج، مشعر الكرم وإن لم تكن مشعر الحرم، وقبلة الصلات وإن لم تكن قبلة الصلاة، أطال الله له البقاء كطول يده بالعطاء، وأدام أيامه التي هي أيام الفضائل ومواقيتها وأزمان المآثر وتواريخها، ما بلّ ريق فماً ومداد قلماً، وما تعاقبت الضياء والظلام وتناسخت الشهور والأعوام، وأن يسعده بدخول رمضان الأغر ويوفيه فيه أجزل الثواب والأجر ويوفر حظه من كل ما يرفع من دعاء الداعين وينزل من ثواب العاملين وأن يتقبل مساعيه ويزكيها ويرفع درجاته ويعليها ويبلغه من الآمال منتهاها ويظفره بأبعدها وأقصاها.
ولا يفوتني سيدي، أن أبارك لكم قدوم هذا الشهر المبارك، وأدعو الله أن يقابل بالقبول صيامكم وبعظيم المثوبة تهجدكم وقيامكم.
وأشكرك سيدي، شكر الأسير لمن أطلقه والمملوك لمن أعتقه شكراً مسبقاً ترتاح له المكارم وتهتز له المواسم، ولكن لو استعرت الدهر لسانا واتخذت الريح ترجمانا ليشيعا شكر أنعامكم حق الإشاعة لقصرت بهما يد الاستطاعة.
ولكم مني سيدي ومولاي من السلام ما يفوت العدّ ولا يقف عند حدّ، والحمد الله السميع البصير، العالم بما يجن الضمير، مولى الخلق وباسط الرزق. الأمر له والاستعانة به والتفويض إليه، والصلاة والسلام على محمد خير من افتتحت بذكره الدعوات واستنجحت بالصلاة عليه الطلبات وعلى آله الذين هم زينة الحياة وسفينة النجاة.
|