Friday 22nd October,200411712العددالجمعة 8 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

كناطح الصخرة!! كناطح الصخرة!!
د. محمد بن سعد الشويعر

لئن كان المسلمون في كل مكان، قبل إطلالة هذا الشهر، يستبشرون بطلعته، فإننا في هذه البلاد، قد سعدنا مع إخواننا المسلمين بقدومه، وقد استبشرنا مع قدوم موسم العبادة، بسقوط خلية من خلايا الإرهاب والإفساد.
ذلك أن الدولة -وفقها الله- تبذل جهودا، وحقق الله علي أيدي رجال الأمن نتائج طيبة، في متابعة خلايا الفئة الضالة، الذين سوّل لهم شياطين الجن والإنس، هذا العمل التخريبي، بزخرف القول غرورا، ليفسدوا ويخربوا تحت شعارات وافدة، فقاموا بأعمال لا يقرها دين، ولا يرضاها شرع الله الذي شرع سبحانه لعباده، كما جاء في كتاب الله، وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما مصدر التشريع في دين الإسلام.
وذلك بما حملوه من فكر ملوّث، وبما أفتى به جهلة من عند أنفسهم فضلوا وأضلوا، حيث فتحوا بهذا العمل بابا من أبواب الفتنة، من غير مبرر ولا شبهة، فامتطوا مركبا صعبا، أضر بهم أولا لأنهم تلقوه من قلوب حاقدة، ودفعهم في هذا السبيل من لا يضمر لدين الله، الحق - الإسلام -، ولا لولاة الأمر من حكام وعلماء، ولا للبلاد وأهلها، إلا الضغينة والحقد الدفين، مترسمين خطى قائدهم الأول: إبليس الذي عاند وكابر، فكان أول من عصى الله بذنب الحسد على وجه الأرض، وسار على منهجه أتباعه من شياطين الإنس، الذي جاؤوا بفكرهم المنحرف، ومفاهيمهم التي تقلب الحقائق، سواء بتأويل أو شبهة، وذلك بامتطاء مطية الفساد والإفساد، بالصورة التي يرونها مثيرة من حيث الإضرار بالآخرين وإرهاب المواطنين: قتلا وتدميرا وانتهاكا للحرمات ونهبا للأموال المحرمة، وسرقة للسيارات وغير هذا من أعمال حرمها الإسلام فقال رسول الله: (من نبت بالحرام فالنار أولى به)، كما حرم مال المسلم ودمه وعرضه وشدد في قتل المستأمن والطفل والمرأة والترويع.
وبحمد الله فإن رؤوس الفتنة المستغلَّة في هذه الأعمال تتساقط يوما بعد يوم لأن قيادة خلاياهم أصابها الوهن بعد أن ضيعوا فرصة العفو التي منحهم إياها خادم الحرمين الشريفين، بعد أن صور لهم مَنْ غرر بهم أن هذه المكرمة ما هي إلا نقطة ضعف، بينما هي شهامة ووفاء، وما فرصة الشهر التي مُنحت، إلا ليراجع كل فرد نفسه، وليخرج عن قناعة من مخبئة، ليجد اليد الحانية تتلقاه، بعكس ما في ذهنه من صورة قاتمة، فتصافحه بدل أن تعنفه، وتنتشله من أمور كانت تؤرقه، وكبَّرها في مخيلته مَنْ أعمى الهوى قلوبهم قبل عيونهم.
وإذا كان المثل يقول: (وفاز باللذة الجسور)، فإن الواقع يثبت ذلك، فمن تفتحت نظرته، وفحص الأمور بمدارك العقل السليم، فقد أدرك خطأ المسيرة التي وجهوا إليها، وظلمة النفق الذي دخلوه، فالتمسوا لأنفسهم النجاة ولبلدهم وأمتهم الأمان، فكانوا بين: تائب مدرك فداحة ما أقدم عليه، وبين مقتنع بخطئه الذي سبق إليه فسلم نفسه مستجيبا، وبين معترف بالواقع، وتخطيط وأسلوب التأثير في حدثاء الأسنان الذين سيقوا بدون روية فانقادوا بدون هدف، بعد أن عميت عليهم حقائق الأمور.
فتنفس هؤلاء الصعداء، بعدما ابتعدوا عن تلك الأوكار الموبوءة، وقالوا: الحقيقة لذات الحقيقة عن قناعة وطواعية، ليعرف المواطنون نقاط الضعف التي دخل منها رؤوس الفتنة، في تغريرهم بالشباب وشحن أدمغتهم بالعداوة، والحقد على ولاة الأمر والعلماء، ووسيلتهم في هذا التكفير والسب والمهاترات، حتى الموتى - رحمهم الله - لم يسلموا من هذه السهام المسمومة: قذفا وتكفيرا، وتخطئة للعلماء الربانيين.. وينطبق عليهم قول الشاعر:
يقضى على المرء في أيام محنته
حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
هذا إلى جانب أمور كثيرة، بانت مع هذه المسيرة الآثمة، أبانت الزبد الذي لا خير فيه، من ضده النافع للناس، الذي ضربه الله مثلا في كتابه الكريم في سورة الرعد بقوله الكريم: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} (17) سورة الرعد.
إن الظاهرة التي لم يدركها مدبرو المكيدة، المريدون الشر والفتنة، للبلاد والعباد، ولم تخطر ببالهم في تدبير هذه المكيدة، هي ذلك التلاحم والولاء المتجرد، بين أمة وقيادتها، وشعب وحكامه.. فأبرزوا الاستنكار والتبرؤ مما حصل، أعمالا قائمة، ويدا منفذة، وظهر التعاون من المواطنين على اختلاف مستوياتهم، مع رجال الأمن انعكاسا على كل مَنْ أبرز رأسه أو دس أنفه، في هذه الحوادث، التي يراد منها الفتنة وإيقاظها من منامها، للعبث بمكاسب ما حصل من وحدة وتآلف وأمن وأمان ورخاء عم السهل والجبل، على يد الملك عبدالعزيز الذي وفقه الله لتحقيق الوحدة الوطنية.. إلا أن يقظة المواطن، وحكمة القيادة - بفضل من الله وتوفيقه -، كانت آخذة بالأسباب، حيث سهّل الأمر الله سبحانه، فجذب الخيوط واحدا وراء الآخر، فكانت الرؤوس المعاندة، والتي تتخيل أن لديها قدرة على التأثير.. وهكذا يظن من يدفعهم ويعينهم على باطلهم، ويزين لهم السير في طريق الغواية والضلال.
هذه الرؤوس بدأت تتهاوى، كما تهاوت من قبل أصنام قريش في عام الفتح، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (81) سورة الإسراء.
وما ذلك إلا أن الموقف المشاهد، وتعجّب منه الأجانب أيام حرب الخليج الأولى، من عدم خوف المواطنين هنا، من صواريخ صدام التي كان يرسلها على الرياض، إذ كان المواطنون صغارا وكبارا، بدل الخوف والاختفاء في المخابئ، يخرجون للشوارع وعلى سطوح المنازل، ليعرفوا مسيرة الصاروخ، ويتفرجوا على موقعه.
وحماستهم هذه هي التي جددوها، مع الأعمال التخريبية في مدينة الرياض وغيرها شعورا بالتنديد وتعاونا مع رجال الأمن، وشجاعة في صد الباطل.. فكان التعاطف والتلاحم، والاستنكار والشجب بأساليبه المختلفة، هو ديدن المواطنين في هذه البلاد، بحمد الله، تضامنا وولاء، ومحبة واعترافا بمكانة ولاة الأمر مما يعكس الأثر الحسن، ويغيظ الأعداء ليدركوا أن سعيهم باطل، يرفضه المواطن قبل الحاكم.
وأن ما تحقق -بفضل الله- من وحدة وأمان، لا يؤثر فيه كيد الكائدين، ولا تدبير المخططين، ونقول لهم مع الشاعر، بعد القناعة بحول الله، إن الشرذمة الباقية سيكون مصيرهم كالسابقين، ليعود للبلاد أمنها الذي لم يهتز:


كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

ذلك أن هذه البلاد محفوظة بحفظ الله، لحرص قادتها وعلمائها، على شرع الله، تطبيقاً وعملاً، وتنفيذاً لأحكام الله، وفتاوى صائبة من علمائها واهتمامهم بالدليل الصحيح المجمع عليه من سلف الأمة: الصحابة ومن بعدهم.
الأخوان عاد وشداد
ذكر التنوخي عن شاعر يعرف بأبي الغوث قال: كنت من أهل قرية بالشام، فكنا نطحن أقواتنا في رحى ماء على فراسخ من القرية يخرج إليها أهل القرى بغلاتهم، فتكثر فلا يتمكن من الطحن إلا الأقوى فالأقوى.. فمضيت مرة ومعي غلة وحملت معي خبزا ولحما مطبوخا، يكفيني لأيام، وكان الزمان شائيا، لأقيم على الرحى، حتى يخف الناس، فأطحن فيها كعادتي.
فلما صرت عند الرحى حططت أعدالي، وجلست في موضع نزيه، وفرشت سفرتي لآكل، واجتازني رجل عظيم الخلقة، فدعوته ليأكل فجلس فأكل كل ما كان في سفرتي، حتى لم يدع منها شيئا، ولا أوقية واحدة.
فعجبت من ذلك عجبا شديدا، بان له فيّ، فأمسك وغسلنا أيدينا فقال لي: علي أي شيء مقامك هنا؟ قلت لأطحن هذه الغلة. فقال: فلِمَ لم تطحنها؟ فأخبرته بسبب تعذر ذلك عليّ، فثار كالجمل حتى شق الناس وهم مزدحمون على الرحى، وهي تدور، فجعل رجله عليها فوقفت ولم تدر. فعجب الناس، وقال: مَنْ فيكم يتقدم؟
فجاء رجل قوي شديد، فأخذ بيده ورمى به كالكرة، وجعله تحت رجله الأخرى، فما قدر أن يتحرك. وقال: قدموا غلتي إلى الطحن، وإلا كسرت الرحى، وكسرت عظام هذا.. فقالوا: يا هذا هات الغلة، فجئت بها فطحنت وفرغت منها، وجعلتها في الأعدال.. الأكياس. وقال لي: قم. قلت: إلى أين؟ قال: إلى منزلك.
قلت: لا أسلك الطريق وحدي، فإنه مخوف، ولكن أصبر حتى يفرغ أهل قريتي وأرجع معهم. فقال: قم وأنا معك ولسنا نخاف بإذن الله شيئا. فقلت في نفسي من كانت تلك القوة قوته، يجب أن آنس به. فقمت وحملت الغلة على الحمير، وسرنا إلى قريتي، ولم نلق في طريقنا بأساً.. فلما دخلت على بيتي خرج والدي واخوتي، وعجبوا من سرعة ورودي بالغلة ورأوا الرجل فسألوني عن القصة فأخبرتهم.. وسألناه أن يقيم في ضيافتنا ففعل. فذبحنا له بقرة وأصلحنا له الطعام، فأكل الجميع بنحو مائة رطل خبزا.
فسأله أبي: يا هذا ما رأيت مثلك قط، فأي شيء أنت، ومن أين معاشك؟ قال: أنا من الناحية الفلانية واسمي شداد، وكان لي أخ أشد مني بدنا وقلبا واسمه عاد، وكنا نحرس القوافل من قريتنا إلى مواضع كثيرة، ولا نستعين بأحد، ويخرج علينا الرجال الكثيرون، فألقاهم أنا وأخي فقط فنهزمهم، فاشتهر أمرنا، حتى إذا قيل قافلة عاد وشداد، لم يعرض لها أحد (الفرج بعد الشدة للتنوخي 4: 259-260).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved