في يوم الأربعاء 29-8-1425هـ كتبت الأختان الدكتورتان: دلال الحربي، وهند الخثيلة سطورهما للقراء، ورسالتيهما لكل صائم.. بعدها استجليت حروفي لأكتب رسالتي للصائمين:
ها هو رمضان شهر الصيام والقيام، شهر الرحمة والغفران يأتي إلينا بعد شهور أسرفنا فيها في جنب الله.. بعد شهور كُبِّلت بالهفوات، وكثرت فيها الزلات؛ لتأتي من الله فيوض الرحمات وأعظم الأعطيات.. كأني بك يا رمضان تنادي أيها المذنب أقلع! أيها المخطىء تُب! أيها المسرف على نفسه عد إلى ربك واسأله الإنابة.. كأني بك وأنت تستقبل التائبين المرسومة دموعهم على مقلهم.. كأني بك.. وأنت ترى أنّات القارئين.. وزفرات الذاكرين.. وآهات القائمين، كأني بك وأنت ترى أقواماً فيك صدقوا ما عاهدوا الله عليهم.. فمنهم من صلى وتزكىّ.. ومنهم من بكى وتضرع.. هجروا لذة الشهوة.. وتركوا بصيص الغفلة.. وهاموا بالصيام والقيام، والقرب من رب الأنام ولسان حالهم يهتف:
إذا كان حب الهائمين من الورى
بليلى وسلمى يخلب اللب والعقلا
فماذا عسى أن يفعل الصائم الذي
جرى حبه شوقاً إلى العالم الأعلى
فيا سعد من وُفِّق لنيل الخيرات وإقام الصلوات وترك المنكرات.. وحينما تولي وجهك شطر صنف آخر.. تجدهم في رمضان، وقد علاهم الهم.. واكتنفهم الغم.. نفوس كئيبة.. لا تطيق كلاماً.. ولا تعي مقالا ظنوا أن الصيام كدر وضيق يحتاج حينها إلى ترفيه ودعة.. وتسلية و(فوازير)!
صاموا نهارهم وهم في فرشهم هاجعون.. وعن الصلاة معرضون.. وحينما يؤذن داعي الفلاح.. بأن أفلح الصوام وخاب النُّوام.. حينها ترتسم على النفوس فرحة الصائمين، ولذة المناجين.. وحَدِّث - ولا كرامة - عن موائد الإسراف والتبذير، التي لو وزعت على قرية لكفتها.. أصناف من كل لون.. حينما تراها تحس بالشبعة، فكيف لو أكلتها فلذلك لا عجب حينما نرى أنه أصبح مهرجاناً أكبر للتسمين بدل أن يكون راحة للأبدان.. وصفاء للأرواح، ولكن قومي لا يعلمون! وطالما أن البطون قد أتخمت وضاقت ذرعاً بما تحمل، فلابد أيضاً من هتافات نفسية تقول لأصحابها هيت لك! نحو المسلسلات التي لا تعرف حرمة الصيام.. ولا تقديراً لقيام.. ونحن فاغرو الأفواه.. أمام مسلسلات تطيش بالسخرية الممجوجة، حتى طاشت من أجلها عقول العقلاء.. وخفقت معها قلوب الألباء.. أو عند مهرجانات للغناء والطرب تجعلنا نتساءل: هل نحن حقا في رمضان.. لا تراعى له خصوصية؟، وإلا فماذا تعني كلمة (الصيام) طالما أننا لا نصوم عن اللذات المنكرة.. والشهوات الممجوجة.. ماذا عسانا أن نفعل مع أقوامٍ أضاعوا نهارهم بالنوم.. وأمضوا ليلهم بالسهر لا قياماً بالصلوات إنما هم في غيهم سائرون.. فهل أنتم منتهون..
والله إن رمضان لفرصة كبرى تستحق المنافسة، فيا من شقي هل تريد السعادة.. ويا من ضل هل تريد الرشاد.. ويا من أسرف على نفسه هل تريد لذة الطاعة.. ويا من غرّه طول الأمل.. اسأل نفسك.. هل سأصوم رمضان القابل!؟ ارجوك رجاء محب كحبه.. أرجوك رجاء مشفق.. ارجوك أقبل ولا تخف.. ابكِ ذنبك.. وأطع مولاك.. وقل:
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا
واعص الهوى فالهوى ما زال فتّانا
صم مع الصائمين.. وتصدق مع المتصدقين.. وادع مع الداعين.. وقم مع القائمين واسبل دموعك وتقرب لمولاك.. فهذه فرصتك إي والله دعك من التسويف فوالله ما أخزاك إلا تسويفك فارحم نفسك قبل أن تقع في مزالق العطب.. وحينها تقول رب ارجعون وبعدها تندم ولات ساعة مندم.
حاسب نفسك فيما مضى.. واعزم على الرجوع والأوبة ورتل معي: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} ولا تنسى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}.
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام.. وجعل الله وجوهنا مسفرة ضاحكة مستبشرة.. والله من وراء قصدي وهو يهدي السبيل.