مهما كان حجم الخلافات الفلسطينية الفلسطينية فإنها تثير القلق، لكن القلق يتطور إلى مخاوف مشروعة عندما تبدأ الأطراف في إشهار السلاح في وجه بعضها البعض في الوقت الذي تمزق فيه الرصاصات الإسرائيلية أجساد الصبية والشباب كل ساعة في المخيمات ومدن الضفة وغزة.
ما حدث الثلاثاء الماضي بين جهازين من الأجهزة الأمنية في قطاع غزة من مواجهة سقط خلالها بعض الجرحى هو من نوع الأحداث التي ينبغي تلافيها بقدر الإمكان، لانها تفاقم من المحنة التي يواجهها الفلسطينيون، وهي تنزل على نفوسهم بطريقة أكثر إيلاماً مما يحدث بينهم وبين الإسرائيليين، ففي الوقت الذي تبدو فيه الحاجة ماسة للتضامن والتماسك في وجه الهجمة الشرسة من قِبل عدو لا يرحم يصبح من الخطأ الجسيم مجرد السماح بإثارة خلافات بين الأشقاء تسعد أيما سعادة الأعداء المتربصين بهم جميعهم.
الأمر الآخر أن أحداث غزة دارت بين جهازين يعملان لحفظ الأمن، وهما بذلك يقدمان مثالاً غاية في السوء لكيفية الحفاظ على الأمن..
إن أنظار العالم أجمع تتركز على فلسطين على الدوام بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر، وهناك تعاطف دولي مع القضية الفلسطينية يظهر بشكل واضح في اجتماعات ومواقف الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن هذا العالم سيجد من الصعب عليه أن يتفهم كيف يمكن لهؤلاء الضحايا أن يحاربوا بعضهم البعض.
ومن الجانب الآخر فإن إسرائيل وفي إطار حربها ضد الفلسطينيين تحاول تكريس وترسيخ كل الرزايا والنعوت السيئة بالفلسطينيين وقياداتهم وهي ستجد في مثل هذه الاشتباكات والخلافات فرصة طيبة لترويج دعاويها بهذا الصدد، وهناك من هو مستعد لتلقف تلك الدعاوي وتضخيمها عبر آليات إعلامية أكبر ومن ثم بناء سياسات ومواقف عليها، ويمكن رؤية ذلك في المحاولات المستمرة لعزل القيادة الفلسطينية بزعم أنها غير مؤهلة للتعاطي معها فيما يتصل بإقامة السلام.
وبينما لا تزال غزة تنزف وتعاني من آثار عدوان إسرائيلي طوال أكثر من أسبوعين، تأتي هذه الأحداث المؤسفة بينما مواطنو القطاع في أشد الحاجة لمن يواسيهم ويضمد جراحهم.
إن الممارسة الواعية للمسؤولية تفرض وضع الضمانات الكافية لعدم تكرار مثل هذه الأحداث وإزالة أسبابها وتجريد العمل العام من تدخلات كل ما هو شخصي وذاتي، ومع كل ذلك ينبغي تعزيز آليات المحاسبة والعقاب بحيث يمكن التأمين على ابعاد هذه السلبيات التي تفت في عضد الصف الوطني وتجعله مكشوفاً أمام العدو.
|