من أخلاقيات المهنة الإعلامية الصدق، وهو الدافع لأدبيات التعامل مع (المادة) الإعلامية، فإن ارتبطت بعناصر بشرية فتوخي الأمانة، والتجرُّد، والبُعد عن الانطباعية، ووجوب الحق وقوله ولو كان مرَّاً من أبجديات العمل الإعلامي الناهض الناجح، وإن ارتبطت بغير العناصر البشرية فلا أقل من اتباع النَّهج فيها... وفي ذلك تكون (الحقيقة) هي المحور المحرِّك للإعلامي، والوصول إليها ليس عن الطرق الملتوية، ولا القصيرة المشوبة بما يخدش دقتها، وصدقها، وواقعيتها... بل يمكن الوصول إليها عن طرق صعبة، ذات أبعاد زمنية، أو متعثِّرة وعند الوصول إليها تكون مدعاة لجلب السرور، والاطمئنان إلى التَّميُّز، ومقارنة العمل من شخص إلى آخر في مجال المصدر.. صحيفة كانت، أو إذاعة، أو تلفازاً... ذلك لأنَّ الوسائل الإعلامية تسعى إلى الوصول إلى الحقائق عند البشر من الناس، أو في واقع الوقائع ضمن بيئاتها وأزمانها... ولأن (الحقائق) ليست دوماً في متناول من يريدها فلا بد من الوصول إلى مظانِّها وفي ذلك جهد وإرهاق.
لذلك نجد في البيئة الإعلامية أنَّ أخلاقيات المهنة متعثِّرة، ذلك لأنها تضيع ضمن أساليب التعامل مع الحقائق، وقد تلوَّثت أدبياتها وشابها من عدم الصدق، والانطباعية، وعدم التجرد، والتلوين، والإضافات المخلَّة، أو النَّقص ما قلَّل من الإنصاف، وخدش الأمانة، وزخرف الحقيقة، أو طمسها... وعمل على تبديلها الأسلوب (العارض) لها في الوسيلة إن جاءت بالصوت والصورة فلها مساعدات تعمل على ترسيخها في شكلها القاصر، وتوصيلها في قالبها الناقص، وإن كانت بالكلمة عمل أسلوب عرضها بالعناوين الكبيرة المحبَّرة أو الملوَّنة، وباللِّغة المستعرضة أو المؤثرة، وبالعبارات ذات المدلولات المشوّهة على نقلها في غير صدق ولا أمانة، ويذهب كثيرون من الإعلاميين إلى هذا السلوك عن جهل بأخلاقيات العمل، وعن قصور في أدائه وفق أدبياته... لا دافع لهم سوى الشهرة، ولا محفِّز لهم سوى المؤثِّر، وغالباً ما يكون المؤثِّر هو (الهوى) يميلون مع ما يرضيهم ويرضي خاصّتهم، ويتبنَّون مواقف أفراد لهم علاقة بعملهم.. إمَّا رؤسائهم، وإمَّا مريديهم...
وأصبحت الوسيلة الإعلامية ليست مصدر ثقة، ولا قالب للحقائق وغدا أمر التَّعامل معها مشوباً بالحذر، والتعامل مع منجزاتها من الرأي والحكم في موضع التَّوخي...
وأصبح هذا الأمر مصدر قلق إذ لا بد لأخلاقيات المهنة من يعمل على ترسيخها، وجعلها أسَّاً رئيساً لا يتنازل عنه عند إسناد مهمَّة البثِّ أو النَّشر أو الإذاعة لأيٍّ ممَّن يندرجون في سلك المهنة، لأنَّ الإعلام أصبح جزءاً من حضارة الإنسان فكيف تكون حضارته وحقائقه؟ إمَّا غائبة، أو مطموسة، أو مشوَّهة؟!.
|