... وكنت من الزائرين بصفة شخصية لا رسمية لألمانيا، أثناء افتتاح معرض الكتاب العالمي بفرانكفورت لهذا العام، وسرني أن تكون الثقافة العربية والحضارة الإسلامية هي ضيف الشرف لهذا العام، وأن يتحدث الإعلام الألماني عن هذا الضيف ويفتح أبوابه وأبواب الجامعات وأبواب المراكز الثقافية للحديث عن الثقافة العربية الإسلامية طيلة أيام المعرض ولمدة عام، وحتى تحل الثقافة الكورية ضيفة على المعرض في العام القادم.
إن هذا المعرض يفتخر الألمان بحجمه وشكله ومضمونه وتاريخه، حيث كان الاحتفال لهذا العام هو السادس والخمسين، وقد شهدت حفل الافتتاح في تلك الصالة الكبرى التي ضمت ألوفاً من الحضور من ذوي الثقافات واللغات والأعراق المختلفة، وأكبرنا حضور المستشار الألماني السيد شرودر لحفل الافتتاح وترحيبه بالثقافة العربية الإسلامية، فقد كان المعرض يفتتحه في العادة عمدة فرانكفورت أو أحد الوزراء الألمان، لكن هذا العام تميز بحضور شرودر نفسه، ولهذا الحضور دلالته ورمزيته، وسرنا أكثر من حضوره خطابه الترحيبي بالثقافة العربية، فقد كان خطابه موضع أحاديث الحضور وإطراء المثقفين العرب، فقد قال وعدل في قوله، ونحن العرب طلاب عدل، وقال الحقيقة، وأصوات العرب وأعلامهم وشعوبهم ينشدون الحقيقة، قال في كلمته إنه في السنوات الأخيرة تم تشويه صورة العالم العربي بالأحكام المسبقة لعدم المعرفة بالإسلام والجهل به، وحذر من تلك الأحكام المسبقة، وأشاد بالحضارة العربية وبالمسلمين الأوائل وأن أوروبا استفادت في بداية نهضتها من العلماء المسلمين والعرب، الذين قدموا للحضارة الغربية في العلوم الطبية وفي غيرها ما هو معلوم، وطالب بدعم الحوار الثقافي مع العالم العربي، فالعلم والمعرفة هما أساس التعاون العالمي، وأنه بالتفاهم والحوار يتوقف الشرخ مع العالم العربي، وطالب بالتعاون ضد الإرهاب وليس ضد الحضارات والثقافات، فالثقافات مرتبطة كلها بعضها مع البعض، وذكر أنه دون تحسين الوضع المعيشي للشعوب فلن يتحقق سلام، وأكد على أنه دون حل الصراع العربي الإسرائيلي فلن يكون هناك سلام، وذكر أن أمن العراق مهم لكافة المنطقة، وأن ألمانيا ستساهم في إعمار العراق وأنهم يقومون بتدريب الشرطة العراقية في الإمارات، وتمنى على العالم العربي أن يحذو حذو الأوروبيين في الاتحاد وأنه لا بد من التفاهم لأجل الاتحاد وأنهم في أوروبا قبل ستين عاماً ما كانوا يحلمون بهذا الذي تحقق من الوحدة والسلام والوئام، وتطلع لرؤية ذلك في العالم العربي، وختم حديثه بأهمية الكتاب، وأن الكتاب حديقة يحملها الإنسان في جيبه.
هذه الضيافة الفكرية تمت في فرانكفورت منذ أيام خلت وكانت حدثاً وحديثاً متميزاً وضيافةً محترمةً، فاحترام الشعوب وعدم ازدرائها والسخرية منها، والذي ساد الإعلام الغربي لم نلحظه في ذلك الملتقى، بل وجدنا الاحترام المتبادل، ولهذا فإني أكبر وأحيي ذلك الشعب الواعي وذاك المستشار العاقل، وأتمنى أن تتسابق الجامعات العربية والمفكرون العرب للتواصل مع النخب المثقفة الألمانية للمزيد من التعريف وللمزيد من عرض القيم العربية والإسلامية، ففي إحدى المحاضرات التي نظمتها الجامعة العربية والمصاحبة للمعرض طالبت إحدى المثقفات الألمانيات وبصوت عالٍ بالمزيد من التواصل وبعدم التوقف وعدم الاكتفاء فيما دار من حوار فكري وثقافي أيام المعرض, وتمنت أن يستمر الحوار وعرض الثقافة العربية الإسلامية في المراكز العلمية والثقافية وفي وسائل الإعلام المختلفة, وأملي ورجائي أن تبادر الجامعات السعودية بتنظيم اللقاءات الفكرية المتتالية في هذا العام المفتوح بألمانيا للثقافة العربية الإسلامية فهي فرصة يجب الاستفادة من إتاحتها.
|