هل هناك سر يربط الحمى باللون البرتقالي غير فيتامين سي الذي ينصح به الأطباء لمن أصيب بزكام يصحبه ارتفاع في درجة حرارة الجسد، وهل هناك سرٌ بين لون الحمى التي عصفت بجسد هذا الكوكب ولون البرتقال في أشد حالاتنا تناقضاً إذ يرتديه الراقصون والمذبوحون على السواء، لتعطي هذه الحمى صورة تختلف عما وصف به أبو الطيب تلك الحمى التي أبت إلا أن تسكن عظامه، لأن حمانا أبت إلا أن تسكن كل شيء ابتداءً من الذاكرة الأممية وانتهاءً بالجسد المحموم، وربما اتفقت معها في الزيارة ليلاً، وزادت حمانا على ما وطدت من مناقب أن تزور أيضاً برابعة النهار ليرشح الدم من جسدنا بدلاً من العرق، نعم تختلف في حالتها التي ترتفع فيها درجة حرارة الجسم فوق المستوى العادي وتلتهب في ظلها السحايا وتدمر في جوفها خلايا الحبل الشوكي لأنها واحدة من أكثر أعراض الأمراض انتشاراً وعندما تكون الحمى هي العرض الرئيسي للمرض، فإنها قد تصبح جزءاً من اسم المرض كما في حالة الحمى القرمزية أو الحمى الصفراء أو المالطية أو الألمانية أو حمى الوادي المتصدع، وكل هذا مسوغ لنوع جديد من الحمى يدعى بايركسيا البرتقالية أو العراقية أو الفلسطينية، وليتهم عرفوا بعد ذلك أن فلسفتهم لارتفاع درجة حرارة هذا الكوكب المحموم لا علاقة بثقوب الأوزون، والاحتباس الحراري وهم يدكون جسده بالمضادات الأرضية وعابرات القارات والصواريخ الدخانية حتى فقد جهازه المناعي المنهك أي تفاعل مع فيتامينات البرتقال الذي استعاروه أيضاً في رفع المستوى الأمني وحالة التأهب إلى تلك الدرجة حينما يشعرون بأي تهديدٍ ليشهدوا أنهم شوهوا جمال الألوان بسقوطها في أدبيات نظام العسكرتاريا المطوب الذي عطل الحواس الأربعة واعتمد على حاسة الشم قبيل حدوث أي كارثة، يا إلهي بشر بلون البرتقال، وكوكب بحجم البرتقال، وجسد يلف حول محوره بدائرة البرتقال، وكل تلك المشاهد والشخصيات في هذه الحفلة التنكرية التي تدار بها كؤوس الطلى الآدمي على طاولات الاستخفاف ابتهاجاً على انخاب هزيمة الإنسان الذي يحاربونه ويدعون أن ذلك من أجل تحريره، ومازلت أتذكر تلك الناشطة الأمريكية بلونها البرتقالي تحت عجلات البلدوزر الإسرائيلي وكانت تفاصيل الجريمة بدأت عندما كانت راشيل كوري وثمانية من زملائها من حركة التضامن الدولية، وهم خمسة أمريكيين وثلاثة بريطانيين، يحاولون منع جرافة عسكرية تابعة لقوات الاحتلال من هدم أحد المنازل الفلسطينية في حي السلام المجاور للشريط الحدودي مع مصر، جنوب مدينة رفح، ولم تكن تحمل بين يديها رشاشاً أو بندقية، بل كانت تقف أمام أحد المنازل الفلسطينية في ذلك الحي، وتلوح لسائق الجرافة الإسرائيلية التي كانت تتقدم نحو المنزل لكي يتوقف عن هدم المنزل، كانت ترتدي سترة برتقالية اللون يمكن تمييزها عن بعد، وتتحدّث إلى سائق الجرافة بواسطة مكبّر للصوت، وقالت أليس، إحدى رفيقات كوري إنها صرخت فور دهسها (ظهري انكسر.. ظهري انكسر). وشاركت قبل حوالي شهر من وفاتها في مسيرة جماهيرية للأطفال الفلسطينيين بمحافظة رفح وخلال تلك المسيرة قالت راشيل (أشارك في الاحتفال مع الأطفال الفلسطينيين لأدعم نشاطهم فهم يعيشون حياة صعبة جداً وتجربة قاسية، يعيشون على أصوات الرصاص والقنابل، منازلهم تهدم حولهم.. يشربون مياهاً غير نقية، سأفعل أي شيء لمساعدة هؤلاء الأطفال.. إنهم مظلومون). صدقاً أشعر بأسى لا يوصف وأنا أتذكر بزتها البرتقالية، ومازلت أتذكر أيضاً سجناء غوانتانامو بلونهم البرتقالي ولا أدري هل سوء تدبيرهم وضعهم في هذا المأزق أم هو القدر المؤلم، وقد أبدعوا خلف ذلك القفص الحديدي بقذف كرة من مطاط بعد أن يدور القاذف حول محوره وكأنه يقذف هذا الكوكب المطاطي، ومازلت أتذكر أيضاً الأبرياء المنحورين بلونهم البرتقالي في العراق بتلك السكاكين الشاهدة على السقوط الأخلاقي من الجميع بلا استثناء، إنها بكتيريا برتقالية مدمرة تختلف عن تلك التي ميزت الشعاب المرجانية في منطقة (الكاريبي) إذ أكد العلماء أن هذه البكتيريا تلعب دوراً مهماً - ليس فقط في إعطاء هذا اللون الاورجواني المميز - بل في تغذية الشعاب وإمدادها بالكربوهيدرات والأضواء الفلوروسنتية في الليل وتعتمد الشعاب المرجانية على النيتروجين بصورة كبيرة في تغذيتها إلا أنه يوجد في مياه البحار في مركبات يصعب عليها امتصاصها ومن هنا تأتي أهمية هذه البكتيريا التي تعمل على تحليل (النيتروجين) في صورة أمونيا يسهل امتصاصها، مثلما امتصت أجساد الفيتناميين في أكبر حرب بيئية في تاريخ البشرية ذلك اللون ولا يزال العالم يشاهد صنائع معروفة في شوارع المدن وفي الأرياف أناساً مقطّعي الأرجل أو الأذرع، عمياناً أو ملتوي الأجسام. والسبب الكبير وراء هذه المآسي استخدام المبيدات في عمليات ما يُسمى (العامل البرتقالي) وكان الهدف الاستراتيجي من إلقاء هذه المبيدات حرمان الثوار الفيتناميين مصادر غذائهم وحماية الغزاة من هجماتهم. هذا هو السبب الذي أدى إلى تركيز نشر هذه السموم في المناطق المحيط بقواعدهم ومطاراتهم وممراتهم البرية والنهرية. وشكلت طريق هوشي منة الشهيرة أحد الأهداف الرئيسية بسبب العبور الدائم للذخائر والأسلحة بواسطتها من شمال فيتنام إلى جنوبها. وأخذت هذه العمليات هذا اللون من المفعول الكيميائي لما يسمى (العامل البرتقالي) لأن ذلك الجيش كان يخزنه في براميل عليها دمغة برتقالية. وتأتي مفاعيلها التدميرية في شكل خاص من أحد مكوناتها الرئيسية، الديوكسين، وهو إحدى المواد السامة بامتياز التي تخرّب الوظائف الهورمونية والمناعية وقدرة الجسم على التوالد ولو تأملنا خصائص اللون البرتقالي حسبما يذكره العلماء لوجدنا أن مجموعته تقع مواجهة لمجموعة (الأزرقان والأخضران) المكملة له في الدائرة اللونية، وبكل أسفٍ قالوا عنه هو مركب من الأصفر والأحمر، ويشتمل على تألق الأصفر مع دفء الأحمر. فأي تألق في الرقص ألما، وأي دفء في حضن جزار يشحذ سكينه باسم الله والله أكبر، وقالوا أيضاً هو همزة الوصل بين الألوان الباردة والألوان الساخنة، لذلك يلعب دوراً حيوياً في إيجاد التوافقات اللونية المهمة، فأي وصلٍ بعد كل هذا التدمير وأي دورٍ للحياة بعد كل هؤلاء الضحايا. وقالوا تزداد سخونته عندما يقع وسط الألوان الباردة. ويقل سطوعه وسط الألوان الحمراء الملتهبة. والمشاهد أن الأطراف كلها تزداد سخونة وسطوعاً، والحقيقة المرة أن هذا اللون فقد خصائصه في هذا الزمن وصار لوناً باهتاً بعدما ضعف تركيزه وقد تحول إلى بني ميت مثل تلك الدماء التي مضى على إراقتها بضع ساعاتٍ على يد الفكر الأزرق والتسلط الأصفر اللذين أبدعا في مزجه على هذه الطريقة، إنه يثير الإحساسات المتعددة، ففي الشمس يبعث على الحرارة والغليان، وفي النيران المشتعلة والحرائق يثير الفزع، أما في الفواكه فيرمز إلى النضج ويثير الشهية، وفي إشارة المرور يشير إلى الاستعداد والتأهب. وفي الإنسان يثير الشفقة. وكأنهم دفنوا السلام في حقيبة تشيخوف البرتقالية المحنطة في تلك الخزانة النحيلة المصنوعة من خشب البلوط في متحفه بروسيا وإلا ما تفسير هذا الإصرار المعلن حربه على الأطفال في هذا الشرق البرتقالي وقد وقفت إيمان الأولى برضاعتها على رأس خطوط طوله ووقفت إيمان الثانية على رأس دوائر عرضه، واختلطت دماء الأولى بحليبها ومهادها في صورة أبشع منها تلك الرصاصات العشرون التي مزقت جسد إيمان الثانية وهي أكثر من سنينها الثلاث عشرة مثلما مزق هذا (الزهايمر) السياسي الذي يتم تصنيعه في المفاعلات العالمية سواء كانت (نووية) أم دموية المستقبل البشري بكل أسف! والله من وراء القصد.
( * ) الإمارات العربية المتحدة
|