في مثل هذا اليوم من عام 633 قامت معركة الحصيد بين المسلمين والفرس. وتحرك كل من القعقاع وأبي ليلى في طريقين منفصلتين، وكانت المسافة إلى (الحصيد) أقصر من المسافة إلى (الخنافس)، فلمَّا اقترب القعقاع من (الحصيد) سارع رُوزَبَه القائد الفارسي فيها بطلب المساعدة من زميله زرمهر في (الخنافس)، ولكن (زرمهر) لم يجرؤ على تحريك جيشه إليه قبل استئذان قائدهما (بهمن)، إلا أنه سار بنفسه إلى (الحصيد) ليقف على حقيقة الأمور بها.
وصل القعقاع بن عمرو بجيشه إلى الحصيد في 20 من أكتوبر 633، وبدأ على الفور بمهاجمة جيوش الفرس التي كانت تفوقه عددًا وعدة، وأظهر القعقاع من ضروب الفروسية ونوادر البطولة ما أشعل الحماس في قلوب جنوده؛ فانطلقوا يحصدون رؤوس أعدائهم، وشقّ القعقاع صفوف الفرس حتى وصل إلى قائدهم رُوزَبَه، فأطاح رأسه بسيفه، إلا أن ذلك لم يفتّ في عضد جنوده الذين اندفعوا إلى القتال بشراسة شديدة، ولكن المسلمين لم تكن تنقصهم القوة والشجاعة للتصدي لهم، والكرّ عليهم، وإعمال السيف فيهم قتلا وجرحًا.
وتقدم (زرمهر) صفوف الفرس، وطلب المبارزة، فاندفع إليه أحد قادة المسلمين، وسرعان ما أرداه قتيلا مُدرجًا في دمائه. فلما رأى جنود الفرس قائدهم الثاني يخر صريعًا دبت الفوضى في صفوفهم، وساد بينهم الاضطراب، وتراجعوا بسرعة، كل منهم ينشد النجاة بنفسه، ويطلب الفرار بجلده، فانسحبوا إلى (الخنافس)، تاركين وراءهم أعدادا كبيرة من القتلى.
وصل الجنود الفارون إلى (الخنافس) قبل وصول أبي ليلى بجيوشه إليها بوقت قصير، فانضموا إلى الجيش الفارسي بها تحت لواء قائد آخر هو (مهبوزان). وما لبثت أن جاءت الأخبار بقدوم جيش المسلمين نحو المدينة، فلما سمع قائد الفرس أنباء قدوم جيش المسلمين إلى (الخنافس) بقيادة أبي ليلى قرر الانسحاب، وعدم الدخول مع المسلمين في معركة غير مضمونة العواقب، وآثر السلامة والنجاة بجيشه، خاصة بعد الهزيمة التي لحقت بسلفيْه على أيدي المسلمين في (الحصيد)، فخرج مهبوزان بسرعة من الخنافس، وسار بجنوده إلى (المُصَيِّخ)؛ لينضم إلى قوات العرب من النصارى المحتشدين بها والموالين للفرس. وعندما وصل أبو ليلى إلى الخنافس وجدها خالية من الفرس، فأقام بها مدة، ثم أرسل إلى خالد بن الوليد يُنهي إليه أنباء استيلائه على المدينة، ويخبره بفرار الفرس إلى (المُصَيِّخ).
|