عندما يُراد الإصلاح أو يُدعى إليه، فإن لغة الحقيقة، وروح الواقع هي التي يجب أن تغلب وتسود، وإن ما كتبه الأستاذ حماد حامدالسالمي تحت عنوان (أصوات من داخل المعاهد العلمية أريحونا من هذا العذاب)، يوحي بتحامل حيال فئة غالية من أبناء الوطن تنال حظها وحقوقها وكرامتها ضمن فئات مجتمعنا الكريم وتقوم بدورها خير قيام بكل ثقة واطمئنان بما يسهم في تنمية الوطن والارتقاء بأبنائه.
إن المعاهد العلمية المنتشرة في أنحاء المملكة العربية السعودية تقوم بدور كبير في تعليم عدد من أبناء هذا الوطن وهي كغيرها من مؤسسات التعليم في هذه البلاد المباركة تثري التعليم الذي في دائرة تخصصها التي تشرف بها وهي دائرة التخصص الشرعي وعلوم اللغة العربية.
ولن أطيل التعبير الإنشائي ولكني سأتقابل مع مقالة الكاتب في عدة نقاط:
النقطة الأولى: عنوان المقالة فيه مغالطة ومبالغة، أما المغالطة ففي قوله أصوات من داخل المعاهد العلمية وكنه المغالطة هنا كم عدد هذه الأصوات وكم عدد المعاهد حيث جمعت في العنوان ثم إذا كان الجمع صحيحاً فما نسبة تلك الأصوات إن وجدت إلى من ينتسبون للمعاهد العلمية من مدرسين وإداريين وطلاب وما نسبة تلك المعاهد أيضاً إن وجدت إلى عدد المعاهد في المملكة.
وأما المبالغة ففي العبارة الفجة (أريحونا من هذا العذاب) التي كتبت ببنط عريض ثم وضعت كلمة عذاب بين قوسين لإثارة الانتباه ثم أعقبها نقطتان فعلامة استفهام ثم علامتا تعجب وأنا أقول إن أصدق ما في العبارة علامتا التعجب فهذا كلام يدعو إلى التعجب والدهشة. وإن العاملين في المعاهد العلمية من أكثر الناس إنصافاً وإعطاء لحقوقهم أقول ذلك من واقع تجربة فقد تشرفت بالتدريس في المعاهد العلمية لمدة تزيد على اثني عشر عاماً، وقد سبق لي أن درست في وزارة التربية والتعليم مدة مماثلة ولم أشعر أن هناك من فارق إلا ما تميزت به المعاهد العلمية من سمت يغلب عليه الوقار والأدب الديني الجم الذي يتمناه كل من يعمل في مجال التدريس.
النقطة الثانية: يقول السالمي: تقول الرسالة.. بل يقول معظم منسوبي المعاهد العلمية من معلمين وطلاب وهذه مبالغة أكبر من سابقتها، فالسالمي يعرف أن بل تستخدم في اللغة للإضراب بمعنى أن القول هنا ليس كلام الرسالة وإنما هو كلام معظم منسوبي المعاهد العلمية من معلمين وطلاب وهذه العبارة تحتاج إلى دليل وهي زعم باطل فلو ترك القول للرسالة المزعومة لكان أقرب إلى الواقعية من جهته وليست الواقعية من جهة المعاهد العلمية ومنسوبيها، فالمدرس في المعاهد العلمية لا يُقْبَلُ إلا عن طريق المفاضلة ومزاحمة الأقران، وبالتالي فلا يقدم على الانتماء إلى المعاهد العلمية إلا من هو راضٍ مختار بل متشوف محب ولا يوجد في المعاهد العلمية من يحمل أقل من المؤهل الجامعي وأظن من حاله تلك أن يكون راشداً يعرف ما يحبه وماذا يختار لنفسه.
أما الطلاب فهم أيضاً لا يدخلون إلا بعد إجراء اختبار قبول ومقابلة شخصية يتحدد على ضوئها قبولهم في المعاهد ثم إن من حقهم الانتقال إلى أي مدرسة متوسطة أو ثانوية من مدارس وزارة التربية والتعليم، ومما يجب أن يعلمه السالمي أن يتقدم للمعاهد العلمية أعداد غفيرة من الطلاب الحاصلين على شهادة الكفاءة المتوسطة من مدارس التربية والتعليم رغبة منهم ومن أولياء أمورهم للالتحاق بالمعاهد العلمية مما يجعل المعاهد في كثير من الأحيان لا تقبل إلا من يحصلون على تقدير ممتاز في شهادة الكفاءة المتوسطة وذلك لمحدودية المقاعد في المعاهد العلمية في الصف الأول الثانوي باعتبار تغذيته من المرحلة المتوسطة في المعهد نفسه، ومحافظةً على التميز لطلاب المعاهد العلمية.
النقطة الثالثة: يقول السالمي على لسان الرسالة: أصبحت المعاهد العلمية للأسف :ك(الضمان الاجتماعي) فلا يأتي إليها في الغالب - نقول في الغالب - إلا أبناء الأسر المحتاجة الفقيرة وبذلك يأتي إلينا أبناء الأسر المحتاجة والفقيرة وهذا الكلام فيه شيء من التشفي والنظرة المتعالية، فالفقر ليس عيباً وأبناء الوطن من حقهم أن يتعلموا في أي مدرسة شاؤوا سواء أكانوا أغنياء أم فقراء وما دام السالمي يزعم أن معظم طلاب المعاهد العلمية هذا رأيهم فنقول له كيف يسب هؤلاء أنفسهم وينتقصون من وضعهم وكيف يعدون ما هو ضمان اجتماعي لهم عذاب يريدون إخراجهم منه، ثم أقول للسالمي إن كان أخذ المكافأة مدعاة إلى إقبال غير الأكفاء فإن هذا ينطبق عليه من حيث أخذه مكافأته من الجريدة مقابل ما كتبه في هذه المقالة العصماء. والمكافأة تشجيع من الدولة - وفقها الله - ودعم للمعاهد العلمية وفهمها على أنها كضمان اجتماعي قصور في الفهم لدى الكاتب.
ثم نقول للسالمي يا تُرى إذا أُخِذ برأيك رأي الرسالة المزعومة وضمت المعاهد إلى وزارة التربية والتعليم هل يكون أول إجراء يتخذ هو إلغاء المكافأة التي يتسلمها طلاب المعاهد العلمية حتى تخلو تلك المعاهد من أبناء الفقراء والمحتاجين أم أن الوزراء ستبقي المكافأة ولكنها لن تقبل في المعاهد مِنْ الطلاب إلا مَنْ تتحرى عنه فتجد أنه ليس من أبناء الفقراء والمحتاجين ويكون ذلك أول شرط من شروط القبول في المعاهد العلمية بعد ضمها إلى الوزارة تلبية لرغبة السالمي.
النقطة الرابعة: تقول الرسالة الحمادية بأن كل محافظة في المملكة يوجد فيها معهد علمي واحد فقط، وبالتالي ليس أمامك كمعلم في معهد علمي إلا أن تنقل نقلاً خارجياً من هذه المحافظة إلى محافظة أخرى هذا إذا استطعت أن تجد لك مكاناً في المعاهد الأخرى، وأقول هذا حق فكلما قلت أعداد أي جهة حكومية قلت فرص الانتقال وهذا ينطبق على مدارس الأبناء في القوات المسلحة والحرس الوطني وغيرها بل إن هذا أصبح يظهر في بعض التخصصات في وزارة التربية والتعليم مع الاكتفاء بالسعوديين والاستقرار الوظيفي الذي أصبح يسود التعليم مما يجعل الانتقال من محافظة إلى أخرى لا يتم إلا بعد سنوات بناء على الأولويات في نظام الانتقال.
النقطة الخامسة: يقول لا تتصور يا أستاذ حماد كم قد تسرب إلينا الملل وبأنا نشعر بالضيق والضجر حيث الروتين الممل نفس المدرسة نفس المدرسين نفس الإدارة نفس الفصول بل نفس الطلاب لأنهم يبدؤون من السنة الأولى المتوسطة حتى الثالثة الثانوية أي يقضون في المعهد ست سنوات فضلاً عمن يعيدون السنوات ولن أقف مع السالمي إلا في الفقرة الأخيرة من هذا، فوجود الفرصة هنا للتغير والتجديد أكثر منها في أي مدرسة أخرى حيث يخير المدرس في اختيار جدول الحصص مع بداية العام الدراسي فيكون أمد الخيار أمامه أكبر منه في أي مدرسة متوسطة فقط أو مدرسة ثانوية فقط ولكن يظهر أن السالمي لا يعلم أن أكثر التربويين ينادون الآن ومنهم مدرسون في المعاهد العلمية أن يتولى طلابه من السنة الأولى المتوسطة حتى ينهوا مرحلتيهم المتوسطة والثانوية في المعاهد العلمية ولعل هذا يجري في مدارسنا للنظر في جدواه.
النقطة السادسة: أما ما قاله عن فرص الترقية والتنقل والدورات فلو كان يريد الحق لعاد إلى المسؤولين في المعاهد العلمية ليعلم كم نسبة من تتاح له فرصة الإدارة والوكالة في المعاهد العلمية وكم من فرصة متاحة لمدرسي المعاهد العلمية ولعل هذا يجري في مدارسنا للنظر في جدواه.
النقطة السادسة: أما ما قاله عن فرص الترقية والتنقل والدورات فلو كان يريد الحق لعاد إلى المسؤولين في المعاهد العلمية ليعلم كم نسبة من تتاح له فرصة الادارة والوكالة في المعاهد العلمية وكم من فرصة متاحة لمدرسي المعاهد العلمية للحصول على أعلى الدرجات العلمية حتى ان كثيراً منهم يحملون الماجستير والدكتوراه ولعل إحصاء يصدر من الجهة المسؤولة في الجامعة حتى يعلم السالمي مدى المغالطة في هذا.
النقطة السابعة: بالنسبة للشكوى من عدم وجود مشرف أو موجه إلا كل ثلاث سنوات أو خمس سنوات، فهذا فيه في عدم المصداقية الشيء الكثير فلا يكاد يمر فصل دراسي أو عام دراسي بالكثير إلا ويمر على المعهد أكثر من شرف أو موجه في أكثر من تخصص علماً بأن الجامعة أخذت تنحو منحى المشرف المقيم فهي تقيم كل عام دراسي دورة في الإشراف التربوي يشارك فيها عدد من مديري المعاهد ليقفوا فيها على آخر ما استجد في مجال التربية وطرق التدريس وغيرها مما يخدم العملية التعليمية ومن التجربة ظهر أن المشرف أو الموجه المقيم أكثر فعالية من غيره حيث يقوم باستمرار بإسداء النصح والإرشاد والأخذ بيد المعلم المبتدئ حتى يأخذه إلى بر الأمان في عملية التدريس ويقف على المشكلة في حينها ويحلها.
النقطة الثامنة: طلبت الرسالة المزعومة دمج المعاهد العلمية مع وزارة التربية والتعليم وهذا يتنافى مع أهداف إنشاء المعاهد العلمية بل مع أهداف إنشاء جامعة الإمام برمتها وهي الجامعة التي تجد كل العناية والرعاية من ولاة أمرنا في هذه البلاد حيث يتخرج من هذه المعاهد والجامعة كوكبة من طلبة العلم الشرعي الذين يسدون ثغرات لا يسدها غيرهم من أعمال القضاء في بلادنا الحبيبة التي تحكم شرع الله وتدعو إليه وكذا أعمال التدريس الشرعي، ومجال اللغة العربيةوالتي يخدم خريجوها قطاعات عدة من إعلام وصحافة وتدريس وغيرها.
كما تخرج في هذه المعاهد العلمية والجامعة المباركة دعاة وأئمة ورجال حسبة ورجال حسبهم يقومون بدورهم خير قيام على هدى من الله بعيداً عن التطرف والغلو.
وأخيراً وقفة مع تساؤلات السالمي في آخر مقالته حيث يقول: لماذا لا نعيد النظر في المعاهد العلمية ونتفهم الصعوبات التي تواجه طلابها سواء على مقاعد الدراسة أو حتى بعد تخرجهم حيث تضيق في وجوههم سبل التحصيل العلمي والوظيفي.وما أعجب هذا التساؤل وليت السالمي بين ما يريد من إعادة النظر، وما هي الصعوبات التي تواجه طلابها على مقاعد الدراسة هل هي المكافأة التي وصفها بأنها ضمان اجتماعي أم هي انتماؤهم إلى أسر فقيرة ومحتاجة كما زعم أم غير ذلك، ولو كلف نفسه وزار أقرب معهد علمي إليه لعرف المعاناة التي يتحدث عنها أنها مجرد وهم أو خيال, وأما الصعوبات التي تواجه طلابها بعد تخرجهم فهي الصعوبات التي تواجه غيرهم من الطلاب، فالمتفوقون منهم لا يجدون أمامهم أي عقبة والمخفقون والضعفاء يتحملون ما يتحمله غيرهم من طلاب المدارس الأخرى وما أظن السالمي تخفى عليه مثل هذه الحقيقة.
كما تساءل بقوله لماذا لا نستفتي هذه المعاهد من طلاب ومعلمين لنعرف عن قرب وبكل شفافية مدى معاناتهم ومبلغ رغباتهم وما قد ينتج عن عزلتهم هذه في المستقبل من آثار نفسية وفكرية واجتماعية.
وأقول أما الاستفتاء فلك الحق أن تذهب إلى منسوبي المعاهد العلمية وقد أعددت استبانة فيها ما ترغب أن تسمعه منهم لترى كيف تكون النتيجة ستكون مخيبة لظنك.
أما خوفك عليهم من نتائج عزلتهم فما هم معزولون فهم أبناء الوطن تشرف بهم أسرهم وقراهم ومساجدهم وجامعاتهم وأماكن وظائفهم فليس منهم معزول عن مجتمعه وليس فيهم منبوذ عن سربه وهم أهل النفوس الأبية والفكر الشرعي الواعي فهم يحملون بين جنباتهم العلم الشرعي الواقي من العثرات.وأخيراً أسأل الله أن يلهمك الرشد فالله الله في أبناء وطنك فيما يصلح البناء ويدعو إلى الصفاء والله المستعان.
د.عبدالله بن أحمد قصاد العمري
|