قد تنزلق بريطانيا إلى هاوية جديدة يصعب الخروج منها في العراق من خلال القبول بدور جديد لقواتها يشبه الى حد كبير الدور الامريكي وهو دور قتالي في المقام الاول يختلف عن طبيعة ما تقوم به حالياً القوات لبريطانية، وقد اثارت الخطط الجديدة لغطاً داخل بريطانيا التي تشهد اصلاً نقاشاً حاداً ومعارضة واسعة للاشتراك في هذه الحرب. غير أنه من الجانب الامريكي فإن هذا الدور الجديد لبريطانيا يبدو أنه يصب في صالح الرئيس الامريكي جورج بوش الذي يخوض معركة حامية للحفاظ على مركزه في الانتخابات القادمة.
وعلى الرغم من أن بريطانيا تنفذ بالفعل مهاماً قتالية إلا أن الاعمال المدنية التي تقوم بها في منطقة البصرة هي التي تغلب على وجودها، فهي ليست متورطة في المهام القتالية بذات الدرجة مثل القوات الامريكية. والتحول المنتظر الذي يأتي كاستجابة لطلب امريكي يقضي بنقل حوالي 600 جندي الى بغداد لتعويض الوجود الامريكي هناك بسبب نقل قوات الى الفلوجة استعداداً لمعركة تشير التوقعات الى أنها قد تكون فاصلة.
ويكمن جانب من المشكلة في أن القوات البريطانية قد تجد نفسها تعمل وفقاً للقواعد القتالية الامريكية، ما يعني تحولاً كبيراً في طبيعة عمل هذه القوات. وقد اصر البريطانيون مع بداية تردد الحديث عن النقلة الجديدة أن يكون لهم دور في تعيين وتحديد ورسم خطط المهام العسكرية وقواعد الاشتباك حتى يتمكنوا من الحفاظ على الصورة التي كانوا عليها. ولا يعرف ما اذا كان سيتم الاخذ بهذه الصيغة، غير ان مجرد هذا الانتقال الجغرافي من البصرة الى بغداد والى مناطق قرب بغداد سيضع البريطانيين مباشرة امام قوى جديدة تختلف عن تلك التي في البصرة، كما ان ذلك يفرض عليها ان تتصرف بطريقة مختلفة، على الاقل لحماية نفسها من الهجمات الى أن تنزلق تماماً الى ساحة المواجهة في منطقة تعتبر خطرة بالمقاييس العراقية.
وحتى لو ارادت القوات البريطانية تقليص دورها القتالي فإنها لن تستطيع خصوصاً مع تنفيذ الخطط الامريكية التي تتناول معارك حاسمة وعنيفة ضد ما لا يقل عن عشرين مدينة عراقية من المقرر مهاجمتها في بحر الايام القادمة في اطار السياسة الرامية لاخضاع هذه المدن بالقوة كما هو الحال مع الفلوجة، ومع استمرار الحملة ستجد القوات البريطانية نفسها في ساحة المواجهة بسبب مساندتها لامريكا.
اما بالنسبة لجورج بوش فإن مثل هذه الخطوة ستظهره امام ناخبيه كما لو أنه لا يتصرف وحده في العراق، وأن الحلفاء يشاركون حتى في المعارك الحربية التي يخوضها، وهو امر سيزيح عنه صورة الرئيس الذي يتصرف بمعزل عن الآخرين.
وبصفة عامة فإن الاستراتيجية الرامية للاخضاع القسري العسكري لن تفيد بريطانيا ولا امريكا، وبالتأكيد هي لن تفيد العراقيين في المقام الاول، إذ ينبغي افساح المجال امام الحلول السلمية والتركيز على ذلك، فالتحدي المصاحب للاعمال العسكرية لن يقود سوى الى التصعيد، وعلينا في هذا المقام المقارنة بين ما يحدث في الفلوجة وما حدث في مدينة الصدر، حيث التصعيد قائم في الاولى بينما هناك قدر من النجاح يتحقق بعد ان افلحت المفاوضات في تثبيت فيما يعرف بصيغة (المال مقابل السلاح).
|