حين يسافر السعوديون رجالاً ونساءً للمشاركة في الفعاليات الدولية من خلال الندوات والمحاضرات، فهم لا يسافرون في رحلة استجمام أو (تصييف)، إنهم يذهبون وفي قلوبهم وعقولهم رسالة لا بد لهم أن يُوصلوا من خلالها للعالم شؤون وشجون وطنهم، وقضايا أهلهم التي لا بد أن يطلع عليها العالم من حيث هي حقيقة، كي لا تظل فريسة الإعلام المتحيز، الذي لا ينهل من أعدائنا ومن المغرضين حين يتعرَّض لقضايانا ولوطننا.. وهي فرصة لنا جميعاً كي نعرض بإخلاص وفكر متناهيين واقعنا وطموحنا، ونعمل بكل الوسائل من أجل تكريس دورنا الإنساني، وحقنا الطبيعي في تمثيل الوطن بأبهى صورة وبأسمى معنى.
أقول هذا وفي نفسي عتب على أحد أساتذتنا الذي غادر فرانكفورت بألمانيا دون أن يشارك بحضوره (معرض فرانكفورت للكتاب 2004)، والذي خُصص هذا العام للعالم العربي، وقامت وزارة التعليم العالي بالتعاون مع المؤسسات الأخرى بالتنظيم للمشاركة في هذا المعرض حرصاً منهم على أن يكون الوجود السعودي ومنتجه الثقافي حاضراً بقوة في المعرض، حيث أخذ أستاذنا على خاطره تواضع مستوى الإقامة التي وفرتها له البعثة السعودية، وكان حسب رأيه مستوى من ثلاثة نجوم فقط، بينما كان البعض في خمسة نجوم!!
قد يكون أستاذنا محقاً، لو أننا كنا في رحلة كشفية أو ترفيهية، وقد يكون محقاً لو أنه وحده أفرد في ذلك المكان، لكن رحلتنا تلك كانت رحلة عمل لإيصال صوتنا ونتاجنا إلى قوم نرى أنهم لا يعرفوننا على حقيقتنا، ولذا لا يتقنون الحديث عنا، ولن يكون المعرض القادم للعالم العربي في أوروبا مرة أخرى قبل ستين عاماً على الأقل، كنا مجموعة ليست قليلة في المسكن ذاته، وفي وسيلة المواصلات ذاتها، بل وكانت اللجنة المنظمة للوفد السعودي على استعداد لقبول أي ملاحظة من ذلك كله، وقد كان، حيث عرضوا كل إمكاناتهم أمام أعضاء الوفد السعودي حتى أولئك الذين جاؤوا إلى المعرض بدعوة من جامعة الدول العربية، كما كان الحال معي أنا شخصياً، حيث قُدّم لي السكن مع وفد الجامعة، وحين اخترت الاستمرار مع الوفد السعودي في مكان إقامته كان لي ذلك، مع العلم أنني قابلت عدداً من السعوديات والسعوديين الذين جاؤوا على حسابهم الخاص، وقدَّمت لهم اللجنة المنظمة السكن والمواصلات وكل ما من شأنه أن يريحهم.
ليست القضية في السكن وخلافه، بل يجب أن يكون اهتمامنا منصباً على الهدف الذي نسافر من أجله، وعلى الأداء المقنع المخطط له جيداً، كي نستطيع بلوغ ذلك الهدف، بل إن تواضعنا في إقامتنا ومصاريفنا يجب أن يكون متفقاً مع الصورة الواجب علينا إخراجها عنا للآخرين.
ولأولئك الذين لا يتقنون إلا النظر بعين واحدة إلى كل ما هو مرئي ومسموع، ومنهم من أخذ على الترجمة، لأنها لم تكن دقيقة ومعبِّرة على ما تمَّ تقديمه في الوقت الذي لا يتقنون اللغة المنقول إليها النص، فأقول: سامحهم الله على ما يعتقدون، وأحب تذكيرهم بالإيجابيات الكثيرة التي تحققت من خلال المشاركة وما كان من ردود أفعال عليها مليئة بالثناء والسعادة على ما عرفوه ومن حقيقة لم تكن متجلية لديهم من قبل.. وأعتقد أن الكاتب الألماني قد أثنى في مداخلته على ما سمعه من ندوة (المرأة وحقوقها في العالم العربي)، والذي أوضح فيه إعجابه بالصورة الحية التي أمامه من نساء عربيات في أعلى الرتب السياسية والعلمية، وذاك هو ما هدفنا إليه من خلال مشاركتنا في المعرض.
ليس المهم أين نقيم وكيف نتنقل في بلاد العالم العربي ونحن نشارك في فعاليات مؤتمراته وندواته، ولا كيف نصيغ تراجمنا، بل المهم هو أن نتواصل مع الآخرين ونبني جسوراً من التفاهم معهم، حتى ولو لم يعجب ذلك بعض الذين لا يرون إلا بعين واحدة.. وتاليتها؟!
فاكس: 2051900
|