إذا غفل الإنسان عن نفسه، فلم يتحصن بذكر ربه عز وجل، ولم يقوِّ إيمانه بالعلم الصحيح، ومجالسته الصالحين، وتهذيب النفس حتى لا تطغى عليها أهواؤها ورغباتها، فإنه يظلُّ معرضاً لنزغات الشياطين؛ شياطين الجن، وشياطين الإنس، ويبقى على خطرٍ من ميله مع هوى النفس، وأباطيل أهل الباطل الذين لا يريدون بالناس إلا السوء، وما حصول الانحراف في حياة رجالٍ لهم قيمتهم ومكانتهم من حيث العقل، والشجاعة، والكرم إلا من هذا القبيل.
وهذا واضح في الحديث الذي ورد في مسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه، أنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(يا أبا ذر: تعوَّذ بالله من شياطين الإنس والجن، فقلت: أو للإنس شياطين؟ قال: نعم).
إن مداخل الشيطان - إنسياً كان أم جنياً - على ابن آدم كثيرة، منها الطمع، والمتعة، وتحقيق السعادة، والمكانة والريادة، ومنها الغرور والتعالي، وذلك سبب في هلاك كثير من الناس الذين يرون أنفسهم بعد الثبات في حيرة واضطراب.
إن الشياطين تزين للإنسان القبيح، وتزخرف الخطأ حتى يصبح جميلاً في عينه فيقع في حفرة السوء المحفورة له من حيث لا يشعر ولأننا - نحن البشر - معرضون لمكائد الشياطين فإن مراجعة أنفسنا، واللجوء إلى ربنا عز وجل دائماً، والتواصي فيما بيننا بالخير، أمور مهمة في تحقيق الثبات والاستقرار بعيدا عن زخرفة الباطل وبريقه.
ذلك البطل الشجاع الشهير عمرو بن معدي كرب الزبيدي، الذي كان مثالاً للشجاعة وضخامة الجسم ورجاحة العقل، حتى كان يبهر من يراه إعجابا به، الذي قال عنه عمر بن الخطاب حين رآه: (الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمرا) تعجبا من عظم خلقه.
أقول: عمرو بن معدي كرب، لما ظهر الأسود العنسي في اليمن مدعيا النبوة استجاب له، وأصبح خليفته في مذحج، مقابل عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها (فروة بن مسيك المرادي)، مع أن عمرو بن معدي كرب قد أسلم وثبت على إسلامه زمناً.
من أين دخل الشيطان على عمرو الزبيدي؟
يشير بعض المؤرخين إلى أن ردته إنما كانت بسبب منافسته لفروة بن مسيك، حيث ظهر حين إسلامه أنه حسد الرجل وأنه قال لابن أخته قيس بن مكشوح: بادر فروة لا يغلبك على الأمر، وهو لا يريد أن يفوز فروة بهذه الثقة النبوية.
ولا شك أن الإنسان إذا سمح لمداخل الشيطان أن تتسع في نفسه، فإن كيد الشيطان سيلقي به في المهالك، ويضخم في نفسه كل أمر صغير.
لقد عاد عمرو بن معدي كرب إلى الإسلام عودا حميدا، ولكن بعد أن شعر بالهزيمة، وبضخامة الخطأ حيث اتجه إلى المهاجر بن أبي أمية وسلم نفسه إليه فأوثقه وبعث به إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه في المدينة فلما رآه أبو بكر - وهو يعرفه ويعرف مكانته - قال له:
أما تستحي يا عمرو أنك كل يوم مهزوم أو مأسور؟
لو نصرت هذا الدين لرفعك الله، فاعتذر إليه عمرو قائلا:
لا جرم، لأقبلن ولا أعود.
نفس كبيرة وجد إليها الهوى والشيطان مدخلا فأضلها بعد هدى، وما عادت إلى الصواب إلا بعد أن أغلقت فيها مداخل الشيطان، فأبلى صاحبها بعد ذلك بلاء حسنا في فتوح العراق والشام.
إشارة
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ}.
|