تعددت مصادر الإعلام وتكاثفت وتقاطرت ، بمثل ما اشتدَّ التَّنافس بين وسائلها ، وبمثل ما أصبحت (المادة) الإعلامية مصدر مقارنة ، بمثل ما هو في الواقع التَّفارق بين عناصرها البشرية. إذ مع الثورة التِّقنية والفنية الطاغية ، لم يتقلص دور العنصر البشري الذي تدور رحى (الإعلام) في طحينه ، وتعمل من أجل الطحين ذاته.
الحياة بكاملها من أجل هذا العنصر الحيوي ، الذي يصنع ويفعل ، والذي يستفيد ويستهلك لذلك فإنَّ البيئة الإعلامية مثل جميع البيئات التي محورها الإنسان وحياته ومرتبطاتها لها قوانينها ، ولها نظمها ، ولها معاييرها ولها أدبيات التعامل فيها.
ولأنَّ الإعلام (كائن) متكامل من الهدف ، والفكرة ، والمضمون ، والقالب ، والوسيلة ، والفاعل ، والمتفاعل فإنَّ له من الآثار ما يمكن أن تكون أكثر مساساً وحدَّة في التأثير المباشر في تغيير القناعات وصنعها ، وفي إضافات قيم واستبدال سواها ، وفي تكوين عادات وإسباغ سلوك ، وفي تشكيل أنماط ومسخ أخرى. وأمر مثل هذا بالغ المسؤولية ، بعيد النتائج ، مفاجئ المردود.
والباحث فيما فعله (الإعلام) في المواقف التأريخية الباقية يدرك تماماً أنَّه أي الإعلام ذلك (الحجر الضخم) الذي كجلمود صخر الشاعر هوى في بحر الحياة فتماوجت.. ولحقها منه كلُّ أثر إمَّا تعاني منه الحياة وإمَّا تسجله له.
الإعلام بهذا لابد أن يتمحور حول العنصر البشري الذي يعدُّ مضامين ما تقدمه وسائله ، ويدرك فروق المضامين وأثرها فيمن يتلقاها ، ومن ثمَّ التّنَبُّه إلى مدى ما تحدثه في شأن التأثير في القناعات ، أو المواقف ، أو القيم أو حتى العادات السلوكية أو اتخاذ المواقف من القضايا أو الأفراد.
فهل بعد كلِّ ذلك يمكن أن يُنظَر إلى البيئة الإعلامية نظرة متسطِّحة ، فيُمكَّن فيها الأشخاص ممن ليسوا مهيأين بأدبيات الحوار الفكري والسلوكي ، أو الطرح الذهني الراقي أو التمثيل النَّزيه أو القدرة على الإضافة الفاعلة ، أو فهم الدور والشعور بالمسؤولية ، وكأن الإعلام هو ذلك المركبة التي يمكن أن يجرَّها حبلٌ جامدٌ يتحرك آلياً ، أو حمارٌ صابرٌ يتَّجه بالغريزة أو دولابٌ مفروطٌ يهرول بها؟..
الإعلام في بيئته لا يزال لم يضع الخطوط العريضة الحمراء أمام العاملين فيه من العناصر البشرية ، لذلك نجده لم تستقر له بعد معايير جادة ، ولم ترسم له خطوط واضحة ، ولم توضع له بوصلة دقيقة ، فلا يزال تحت رحمة عناصر تشوِّه الدور ، وتُضعف النتائج ، وترمي على وجهه غباراً لم تعد معه تتضح معالم الصواب فيه من الخطأ ، إذ لا يزال لم يواكب في عناصره البشرية ، أو تقانته ما وصلت إليه الإمكانات البشرية والتّقنية على مستوى بعيد.
|