الكلام الذي يدور بين الناس في شؤون السياسة والحروب كلام كثير لا يتوقف، لأن الأحداث ساخنة، ووسائل الإعلام تنقل الأخبار كل دقيقة، والبرامج تعرض الآراء كل ساعة، فالناس جميعاً يتحدثون في السياسة وعن السياسة، ولا بد أن يتحدثوا عن الحرب، والاحتلال، والمعارك الضارية لأنهم يرونها رأي العين ويسمعونها سماع الأذن ويشعرون بها شعور القلب.
ولكن صاحبي - وفقه الله - يأتي ببعض الآراء التي تختلف عن كثير مما تطرحه وسائل الإعلام، ويؤكد لي أن ما تعرضه وسائل الإعلام العربية عن مشكلة العراق - مثلاً - يعكس وجهة نظر إدارات التوجيه الإعلامي في أمريكا، وأن الحقيقة في وادٍ، وما يقول الإعلام عن المشكلة في وادٍ آخر.
فهو منذ بروز اسم (الزرقاوي) المفاجئ يؤكد بلا تردد أن مسرحية الزرقاوي عمل اسطوري أمريكي، وأن ما يقال عن وجوده في العراق، وفي الفلوجة بالتحديد إنما هو ضرب من الأباطيل.
وحينما قلت لصاحبي:
ومن أين لك هذا التأكيد؟
قال:
أنا متابع - بلا هوادة - للأخبار من القنوات الأمريكية نفسها، أتابع واسمع التقارير وأشغِّل ذهني بعيداً عن الانبهار، وقد أكدت لي هذه المتابعة ما أقول لك، وتابع صاحبي قائلاً:
هل تصدق يا أخي أن الرئيس في أمريكا يعلن بعد حدوث انفجار شاحنة - مثلاً - في العراق بعشر دقائق أن الزرقاوي هو المسؤول عنها؟
وهل تعلم أن هذا يتكرر عشرات المرات حتى أصبح لدى المتابع إحساس بأن انقلاب سيارة في طريق عام في أحد شوارع بغداد أمام الناس، يمكن أن ينسب - رسمياً - إلى الزرقاوي؟
قلت لصاحبي: وما لنا ولهذا الأمر، وكيف تثبت لنا الحقائق؟
قال: لا بد أن يكون المسؤولون عن الصحافة والقنوات الفضائية العربية على دارية بالأمور، والا يكونوا لعبةًَ في أيدي الآخرين.
إن الزرقاوي مسرحية، وهو منذ أن أطلق سراحه أعيد القبض عليه - كما ظن - فهو في سجن أمريكي، تنسب إليه الأحداث العراقية زوراً وبهتاناً، وأنا أجزم أن إعلان القبض عليه سيكون آخر ورقةٍ يلعب بها من يخططون لإعادة انتخاب الرئيس الأمريكي.
ولا أكتمكم أنني كنت أظن هذا الحديث ضرباً من التأويل والحدس حتى رأيت بعض مقالات منها مقال نشر في هذه الجريدة تتحدث عما يتحدث عنه صاحبي على وجه التقريب.
قال لي صاحبي:
هل تعلم أن الخارجية الأمريكية أعلنت أنها جمدت أرصدت جماعة التوحيد والجهاد التي يرأسها (الزرقاوي)؟
وهل تعلم أن كيري قال:
كيف تأخرتم في تجميد أموال رجل يحاربكم إلى اليوم؟
وهل تعلم أنني أشعر أنه قبل إعلان نتائج الانتخابات هناك، سيعلن عن القبض على الزرقاوي لاستكمال المسرحية، وسوف يؤتى بوسائل الإعلام لتصور المحارب الأسير بعد القبض عليه مع أنه في سجونهم منذ أكثر من عام؟
قلت لصاحبي:
أراك توغل في هذا الأمر إيغال من هو متأكد منه، ومع ذلك فإنني أقول لك: وإن غداً لناظره قريب.
اشارة
قال طرفة بن العبد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تزود |
|