لأول مرة يحضر مسؤول رسمي رفيع فعاليات افتتاح معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي عقد في مطلع شهر اكتوبر الجاري، فقد افتتح المستشار الألماني جيرهارد شرودر فعاليات المعرض بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية، وعدد غفير من وسائل الاعلام الألمانية والعربية والأجنبية، وألقى كلمة هي أجمل ثمار المعرض الذي كانت الثقافة العربية ضيف شرفه لهذا العام، فقد ركزت على أربعة محاور رئيسية، هي:
1- شبهة ارتباط الثقافة العربية بالارهاب في ذهنية المواطن الغربي.
2- فضل الثقافة الإسلامية والعربية على حضارة الغرب، وأوروبا على وجه الخصوص.
3- محاولة بعض القوى الغربية والمؤسسات السياسية والغربية تشويه الثقافة العربية والإسلامية بدعوى الحرب ضد الارهاب.
4- وجوب اتخاذ موقف حازم من هذا التوجه، وتعزيز حقيقة ان الحرب ضد الارهاب لا تعني مطلقاً الحرب ضد الثقافات.
كانت كلمة المستشار الألماني مرتجلة، لكنها معدة سلفاً لتخدم هذه المحاور الأربعة وهي الأهداف التي جاء العرب إلى فرانكفورت لتحقيقها، ولذلك كانت كلمته أعظم مكاسب العرب والمسلمين في تلك المناسبة التي حظيت باهتمام وسائل الاعلام الألمانية والأجنبية، ولو دفع العرب الملايين من الدولارات لما حققوا لأنفسهم هذا الانجاز السياسي والاعلامي الذي تضمنته كلمة المستشار شرودر.
أنا هنا لن أتحدث عن مدى تحقيق العرب لأهدافهم في تلك المناسبة، فقد كفاني من تناول ايجابيات الحضور وسلبياته في ضوء المحاور التي تحدثنا عنها آنفاً، ثم ان المناسبة انتهت وليس المقام مناسبا للتقويم العلني، وإن كان هناك ثمة أخطاء فإن السبيل الأمثل لتلافيها هو الكتابة إلى الجهات المشاركة فيه، وأعني الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص في المملكة، وهو ما يهمني بالدرجة الأولى. بيد أن هناك تساؤلات ينبغي أن تطرح للافادة منها مستقبلاً حتى تحقق مشاركاتنا الدولية الغاية المقصودة منها ومن ذلك:
1-ما الأولويات التي ينبغي أن نسعى إلى تحقيقها؟
2- على أية أسس يمكن أن نحدد هذه الأولويات؟
3- ما الوسائل الكفيلة بتحقيق هذه الأولويات؟
إن مشاركتنا في ألمانيا تختلف مثلاً عن الهدف من مشاركتنا في اليابان، فكيف نحدد هدف هذه المشاركة؟ وما طبيعتها؟.
يبدو أننا الآن بحاجة إلى رؤية استراتيجية واضحة تضبط حضورنا أمام الآخر تبعاً لحاجتنا وحاجته، فالمملكة اليوم تواجه حملة اعلامية واسعة النطاق تستهدف دينها وثقافتها ومؤسساتها المختلفة، ولذلك فإن من لوازم المنطق السليم أن تكون كل مشاركة مبنية على رؤية استراتيجية منهجية بحيث تبتعد عن الارتجال والعشوائية التي تفسد ما يبذل فيها من جهد ومال.
علينا أولاً أن ندرس طبيعة المجتمع الذي سنتوجه إليه برسالتنا، وأن نتعرف على ما يريده منا وما نريده نحن منه، حتى وإن تطلب الأمر اجراء دراسات مسحية نحدد فيها اولويات الحضور والمشاركة، وهنا يمكن التنسيق مع سفارات المملكة في الخارج والملاحق الثقافية أو غيرها من مؤسسات القطاع الخاص المعنية باستطلاعات الرأي، وفي ضوء نتائج هذه الدراسات المسحية يمكن تحديد الأهداف حسب أهميتها واختيار الوسائل الكفيلة بتحقيقها، وفي كل الأحوال تبرز هنا قضيتان مهمتان: الاولى ترتبط بالنتاج المقدم بلغة البلد المستضيف (الألمانية مثلاً)، حتى لا نخاطب الآخر بلغة لا يفهمها، والثانية طبيعة المضمون المقدم إلى الآخر، فليس يعقل ان تكون ثقافتنا مرتبطة لدى الآخر الغربي بقضايا الارهاب ونقدم له مطبوعات أو مواد اعلامية تتحدث عن منجزاتنا التنموية في بلد سبقنا إلى المنجز المادي بعشرات السنين!
هذه وقفات عجلى أرجو أن يستفيد منها القائمون على مشاركات المملكة في المعارض الخارجية، وبخاصة الثقافية منها.
إن معرض (اكسبو 2005) الذي سيعقد في شهر مارس القادم في اليابان على الأبواب، وستشارك فيه جهات وطنية حكومية وخاصة، فهل نستفيد من التجارب الماضية ونحدد اولوياتنا من الحضور أم نعيد التجربة الماضية؟
سؤال أرجو أن نبدأ في الاجابة عنه الآن، وليس قبل أن يبدأ المعرض بأسبوع أو أسبوعين كما هي عادتنا دائماً!!
|